هل يطيح إشهار رديء لمشروع الريادة بوزير التعليم برادة؟
لم يتوان محمد سعد برادة عن الإدلاء بتصريحات مستفزة أشعلت ولا تزال غضب الشغيلة التعليمية، منذ تعيينه على رأس وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أواخر أكتوبر لعام 2024.
وكان القاسم المشترك بين جل تصريحاته المثيرة للجدل دفاعه المستميت عن مشروع الريادة الذي ما لبثت وزارته تروج له كطوق نجاة للمدرسة العمومية من السكتة القلبية.
إشهار رديء لمشروع الريادة
لعل آخر زلات الوزير محمد سعد برادة ما أدلى به في لقاء حزبي نظمه التجمع الوطني للأحرار، حينما ادعى سفره إلى بلاد بعيدة من أجل الدراسة حيث يشتغل الأساتذة المتميزون من أجل الدراسة، ناصحا الأسر إلى تسجيل أبنائها في المدراس البعيدة التي تضم أفضل الأساتذة، وتأمين النقل المدرسي لهم، وترك مدارس القرب أو النواة المدرسية في المناطق القروية النائية التي يعمل بها أساتذة “مكفسين”، على حد تعبيره.
وقد كشفت هذه التصريحات المندرجة ضمن إشهار رديء لمشروع الريادة أن الوزير المحترم منعزل عن الواقع التعليمي عزلة شديدة، ولا يعي مشاكل التعليم في العالم القروي خصوصا، وكأنه تلميذ يتهجى نقل الإملاءات المفروضة عليه من جهة ما بلغة دارجة ركيكة تضم مفردات على غرار ” النجوح بمعنى النجاح. يومينان بمعنى يوميا”.
وقد سارع حزب الحمامة إلى حذف الفيديو التي تضمن التصريحات بعد تنامي الانتقادات الموجهة إلى صاحبها في ظرف قياسي، كأنما يتبرأ منها بعدما أيقن أن “موسيو بغادة”، المدافع باستماتة عن مشروع الريادة، جانب الصواب كعادته كلما تحدث باللغة الدارجة.
وزير مختص باستفزاز الشغيلة
استفزت تصريحات محمد سعد برادة الأخيرة الشغيلة التعليمية، وفجرت شلالات من الانتقادات التي استغربت ارتكابه هفوة قاتلة إذ كشف عن انتفاء تكافؤ الفرص في مؤسسات المدرسة العمومية، قياسا إلى تمييز المدرسة الجيدة البعيدة (مدرسة الريادة) من المدرسة السيئة القريبة، والأساتذة المميزين من الأساتذة المكفسين.
وكان قبل هذه الضجة الجديدة المثارة أثار حنق الشغيلة حينما اختزل أزمة المدرسة العمومية في الصراعات الخفية بين المفتشين ومديري المؤسسات العمومية، ليكون الوزير الوحيد الذي نال لسانه من الشغيلة التعليمية جمعاء.
كما قدم الرجل معطيات تثبت نجاح مدارس الريادة في المغرب، حتى أنه جزم برغبة عدد من الدول المتقدمة في استلهامها، والواقع أن هذا المشروع يغرق في العشوائية والارتجالية، ذلك أن المؤسسات المنتسبة إليه لم تتوصل بالوسائل والكراسات إلا في وقت متأخر بما أربك سير التعلمات، كما لم يتلق أساتذتها تكوينا كافيا، ومواكبة يومية جراء النقص المهول في المفتشين.
وشدد في ظهور إعلامي سابق بالقناة الثانية على جاذبية قطاع التعليم، مستشهدا بارتفاع عدد المترشحين لمباراة التعليم، ومعادلة راتب الأستاذ راتب المهندس، بما أنه يتراوح ما بين 7 آلاف و15 ألف درهم.
يا ليته ترك في فمه مصاصة!
عبارة “يا ليته ترك في فمه مصاصة” ليست محض تهكم على الوزير المحترم، بل هي وصف دقيق لرجل أثبت للجميع أنه لا يعرف عن التعليم مثل ما يعرفه عن مشاريعه الخاصة، المتعلق بالمصاصة.
كيف لا وهو يتنصل من تحمله مسؤولية ما آلت إليه أوضاع التعليم المتأزمة، عقب تبنيه المخططات والبرامج الفاشلة التي يستحيل أن تحقق إقلاعا بهذا القطاع الحيوي، وآخرها مشروع الريادة كما هو معلوم، وإلقائه باللائمة على الشغيلة التعليمية وتحميلهم أوزارا لم يرتكبوها.
يا ليته ترك في فمه مصاصة، وانشغل عن التعليم الذي أبدع في تصويره مهنة رفاه، ومهمة سهلة، والحقيقة أن الشغيلة برمتها يعيشون ضغوط عمل رهيبة تهدد سلامتهم الجسدية والنفسية، في ظل سوء ظروف العمل، كهضم الحقوق، والاكتظاظ، ونقص الأطر، وغياب الوسائل الديداكتيكية، وتراجع أدوار المدرسة، وغير ذلك.
ويبقى السؤال الذي ينتظر الجواب الشافي: هل تستقيم إصلاحات التعليم بخطاب من هذا القبيل؟ وهل تستعيد المدرسة العمومية وهجها بالكلام المنمق، في حين يرثي الواقع حالها، وهي تتخبط بين المشاريع الفاشلة؟
فإن لم يكن الكلام مصحوبا بخطوات جدّية، وفي مقدمتها: حوار اجتماعي حقيقي، واحترام الاتفاقات، وإشراك الشغيلة في إعداد البرامج والمشاريع الكبرى لإصلاح المنظومة، وتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية فلن تكون الريادة سوى سراب.
ولا شك أن مسؤولية الوزير وفق هذه المعادلة ليست فقط أن يتحدث بل أن يسمع، وأن يتحمل، وأن يُعيد للإصلاح معنى استنادا إلى تغيير حقيقي مادي ومعنوي، فالعبرة ليست بالتصريحات على شاشات التلفاز، وإنما بما تعيشُه الشغيلة حين تفتح المدارس أبوابها كل صباح!


















Discussion about this post