أزمة التعمير في طنجة وضواحيها: رخص مجمدة في وجه البسطاء وامتيازات لأصحاب النفوذ الأثرياء
يعري تجميد السلطات تصميم التهيئة أزمة حادة في قطاع التعمير بمدينة طنجة وضواحيها، ويمعن في تكريس التمييز الطبقي، وتهييج الاحتقان الاجتماعي، تحققا بالتضييق على المواطنين البسطاء الذين أفنوا سنوات يفلون الصخر من أجل اقتناء بقعة أرضية يشيدون فوقها منزل أحلامهم المستقل، وتَرْكِ الحبل على الغارب لأصحاب النفوذ الأثرياء، وتمتيعهم بامتيازات، وتسهيلات تصل إلى حد التغاضي عن خروقاتهم.
الكيل بمكيالين
تصطدم أحلام آلاف الأسر البسيطة، على امتداد طنجة وجماعتي اكزناية والعولمة، في بناء سكن مستقل بتجميد رخص البناء، جراء تأخير إصدار تصميم التهيئة منذ سنوات طويلة.
ويورث هذا الوضع المواطنين ضغوطا اقتصادية ونفسية رهيبة، إذ يضطرون لأداء تكاليف الإيجار المرتفعة، على الرغم من امتلاكهم بقعا أرضية خاصة، والعيش في دوامة من القلق، والترقب الملفوف بالغموض.
وحتى حدود اللحظة لم تصدر السلطات المعنية استجابات فعلية أو حلولا عملية تدفع على المواطنين الأضرار المترتبة عن تجميد رخص البناء، واكتفت ولا تزال بتقديم الوعود التي صارت مثل أسطوانة مشروخة.
وعلى النقيض، تنهمر التراخيص على المنعشين العقاريين لتشييد التجمعات السكنية والمشاريع الضخمة بسرعة فائقة، ويحصلون في أحيان كثيرة على غطاء يستر خروقاتهم التي تنتهك القانون، في ظل لعبة المصالح المشتركة التي يشتبك فيها الاقتصادي بالسياسي.
ولطالما أشارت التسريبات إلى أن عددا من المنعشين في عاصمة البوغاز يعرقلون عمدا تصاميم التهيئة، ويمارسون ضغوطات كبيرة على السلطات، ابتغاء تحصين مصالحهم، بما يؤدي إلى “بلوكاج”، يضر بمصالح المواطنين البسطاء، والمقاولين الصغار.
الوكالة الحضرية ..توضيحات غامضة
تكشف الوكالة الحضرية في برنامجها لعام 2025 عن تتبع إنجاز 11 وثيقة تعمير بعمالة طنجة أصيلة، وإقليم فحص أنجرة، جرى الشروع في إعدادها قبل السنة الجارية، إلى جانب منح الضوء الأخضر لانطلاق 3 وثائق جديدة فوق تراب جماعة طنجة.
ونجد تصاميم تهئية مقاطعة طنجة المدينة، وجماعة اكزناية، وجماعة العوامة، من بين الوثائق الأربعة عشرة التي وضعتها الوكالة الحضرية قيد المتابعة خلال السنة الجارية، دون أن تعلن عن تواريخ واضحة ودقيقة من شأنها أن تحدد بالتفصيل سيرورة عمليات المتابعة.
وتضع الوكالة الحضرية في حزمة أهدافها المصادقة على وثيقتين، وإحالة 5 وثائق على البحث العمومي ومداولة المجلس، وعرض الوثائق الـ7 المتبقية على أنظار اللجنة التقنية المحلية، دون تسمية الوثائق، بما يضع أهدافها في دائرة التوضيحات الغامضة.
أسباب التجميد
في ظل تجميد تصميم التهيئة بمقاطعة طنجة المدينة وجماعة اكزناية يتساءل الشارع المحلي عن الأسباب التي تقف وراء تعطيل مصالح المواطنين الراغبين ببناء مساكنهم، وكبح العديد من المشاريع الاستثمارية المندرجة ضمن تأهيل عاصمة البوغاز، لاستضافة مونديال 2030، على وجه الخصوص.
ويرى حسن بلخيضر، المستشار بجماعة طنجة، أن الأسباب الرئيسة في تأخير اعتماد التصميم الجديد لمقاطعة طنجة المدينة، وجماعة جزناية، تتعلق أساسا بالتجاوزات التي عرفتها طريقة دراسة التصاميم بما فيها التي تمت المصادقة عليها سابقا، لافتا إلى الاختلالات التي شابت التصميمين الجديدين لمقاطعتي بني مكادة ومغوغة.
ويكشف حسن بلخيضر عن تغيير منعشين عقاريين تنطيق الأراضي، وتفصيل تصاميم التهئية على مقاسهم بما يخدم مصالحهم بما يولد إشاعات استغلال النفوذ، ويستدل بما وقع في منطقة السانية، والعوامة، والمحطة الطرقية الجديدة، والمنطقة المحيطة بمحطة البراق، متسائلا عن هوية المتحكم في تصاميم التهئية؟
كما يشير إلى أن غياب مكتب الدراسات الذي عينته جماعة طنجة للاضطلاع بدراسة تصميم التهيئة، يدفع في اتجاه استمرار تجميد التصميم المنتظر منذ سنوات، بما يرسم علامات استفهام كبيرة، على حد تعبيره.
ردود فعل المنتخَبِين
يجيب حسن بلخيضر عن سؤال مجلة إيكوبريس الذي يدور حول ترافع المنتخبين عن المواطنين من أجل رفع الضرر الذي لحقهم من تجميد تصاميم التهئية، منبها إلى أن يد المنتخبين قصيرة في هذا المجال.
ويوضح بلخيضر أن لا حيلة للمنتخبين في دراسة تصاميم التهئية قائلا: نحن المنتخبين نشكل الحلقة الأضعف في دراسة تصاميم التهيئة، ذلك أن دورنا يبقى ثانويا جدا، ينحصر في التصويت على التصاميم. حتى أن تصويتنا بالرفض لا يعتمد لإلغاء الموافقة على التصاميم.
ويبرز أن المنتخبين سجلوا ولا يزالون العديد من التجاوزات والاختلالات، غير أن ملاحظاتهم لا تجد من يعتد بها، أو يأخذها بعين الاعتبار، ومن بين هذه الملاحظات افتقاد المناطق المضافة إلى المجال الحضري وثائق التعمير، يردف بلخيضر.
مقاربة جديدة للوالي
يؤكد حسن بلخيضر اعتماد الوالي يونس التازي مقاربة جديدة في مجال التعمير تختلف كليا عن الوالي السابق محمد امهيدية، وتقوم على المساواة بين الجميع، الفقير مع الغني، وصاحب البقع الصغيرة التي لا تتجاوز 50 مترا مع مالك الهكتارات.
كما يثمن الاستقرار الذي يخيم على رأس الوكالة الحضرية حاليا، وهو أمر لم يكن قائما قبل تعيين الوالي التازي، قياسا إلى التغيرات التي سجلتها إدارة هذه الوكالة في السنوات القليلة الماضية، على حد تعبيره.
ويبدي بلخيضر ثقته في إخراج الوالي التازي تصميما أكثر عدلا وإنصافا من ذي قبل، على الرغم من صعوبة إرضاء جميع الأطراف، معتقدا أن التأخير في اعتماد تصميم جيد أمر منطقي، في ضوء الانكباب على إصلاح الاختلالات الكبيرة التي شابته في النسخ السابقة.
Discussion about this post