إيكو بريس عن أ ف ب – ترجمة نبيل حانة
في مثل هذا الوقت من كل عام، يستعد مزارع القمح المغربي عبد الرحيم محافظ لحصد محصول فصل الربيع، لكن الحقول هذا العام تبدوا جافة “تماما.
”لقد ضاع الحصاد هنا بالفعل” يقول الفلاح عبد الرحيم الذي لا يمتلك إلا أملا ضئيلا من أجل الحفاظ على محصوله من القمح هذا العام، وذلك بسبب قلة التساقطات المطرية، مما يدخل المغرب في عامه السادس من الجفاف القاسي على التوالي.
على طول الطريق المؤدية نحو قرية عبد الرحيم الصغيرة في إقليم برشيد، جنوب شرق الدار البيضاء، تبدو الحقول الفلاحية الشاسعة جافة على نحو غير عادي.
يقول عبد الرحيم ـــــ وهو يتفقد مزرعته ذات العشرين هكتاراً والتي لم ينبت فيها أي شيء تقريباًــــ يقول بمرارة: “يجب أن يصل طول سنبلة القمح إلى 60 سنتيمتراً” في هذا الوقت من السنة، خصوصا وأن المنطقة تعرف بكونها مركزا رئيسيا لإنتاج حبوب القمح في المغرب.
وعلى بعد بضع كيلومترات من قرية أولاد مبارك، يعاني الفلاح حميد نجم من نفس الوضع، فأرضه ذات 52 هكتاراً المزروعة بالقمح والشعير “لم تعد صالحة لأي شيء”.
عبّر حميد ، الذي يبلغ من العمر خمسين عامًا، عن قلقه الكبير من خلال قوله: ”لم نشهد مثل هذه السنة الصعبة من قبل”.
منذ بداية يناير الماضي، سجلت المملكة انخفاضا كبيرا في هطول الأمطار بنسبة 44% مقارنة مع بداية سنة 2023، مع ارتفاع في متوسط درجات الحرارة بـنسبة 1.8 درجة، مقارنة بالفترة الممتدة بين سنتي 1981و2010، حسبما أشار وزير الزراعة نزار بركة مؤخرا.
ولم تمتلئ السدود المغربية إلا بنسبة 23% فقط، مقارنة بنسبة 32% خلال السنة الماضية، وفي مواجهة خطر النقص المهول في المياه، قامت السلطات المغربية في الأسابيع الأخيرة بتقييد فتح الحمامات ومحطات غسل السيارات في عدة مدن، كما حظرت سقي ملاعب الغولف والحدائق العامة التي تتوفر على صنابير لمياه الشرب.
– “تأثير خطير على الاقتصاد” –
وحذر المهندس الزراعي عبد الرحيم حندوف من أن هذه السنة السادسة من الجفاف “ستضر” بالموسم الزراعي.
لن تتحصل الماشية على العلف الكافي وبالتالي فإن أسعار الأضاحي هذه السنة ستكون مرتفعة للغاية.
وأوضح حندوف لوكالة فرانس برس أن المزارعين، الذين كانوا يخشون هذه الموجة الجديدة من الجفاف، قاموا بالفعل بتقليص المساحة المزروعة بالحبوب داخل أراضيهم في نونبر الماضي (تم زرع 2.3 مليون هكتار مقارنة 4 إلى 5 ملايين هكتار خلال السنوات السابقة).
مزارع يقوم بتركيب نظام السقي التنقيطي في حقل للبطاطس، 7 فبراير 2024، في برشيد، جنوب شرق الدار البيضاء، المغرب © AFP –
وبحسب نفس الخبير الزراعي، فإن هذا الوضع سيكون له “تأثير خطير على الاقتصاد”، في بلد يشتغل فيه ثلث السكان بقطاع الزراعة وتمثل 14% من الصادرات الوطنية بنسبة أكثر ربحية من السوق المحلية.
كان عبد الرحيم يأمل هذه السنة في تعويض الخسارات المستمرة خلال المواسم السابقة، من خلال اعتماد تقنية الغرس المباشر، وهي عملية تعتمد على غرس البذور دون حرث، مما يسمح للأرض بالحفاظ على رطوبتها الطبيعية.
يقول عبد الرحيم: “لقد ضاع المحصول بالفعل ولكنني آمل أن تهطل الأمطار في شهري فبراير ومارس حتى يتوفر لدينا علف نطعم به الماشية على الأقل”.
تبدو التوقعات أقل قتامة بالنسبة لكبار المزارعين مثل حميد مشعل، الذي يعتمد على الري الاصطناعي من أجل سقي مساحته البالغة 140 هكتارا، حيث يقوم بزرع القمح والجزر والبطاطس شرق إقليم برشيد.
يقول حميد: ”مع تكرر موجات الجفاف، نحن مضطرون للاعتماد على تقنية الري بنسبة 85% بينما في السابق، كان الري مجرد عملية تكميلية فقط” كما يشرح أن حوالي 500 مزارع في المنطقة يعتمدون على نظام الري من خلال تخصيص حوالي 5000 طن من المياه للهكتار الواحد بشكل يومي.
وقد أعربت مؤسسة الأغذية والزراعة (الفاو)، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، عن قلقها إزاء “التكثيف غير المنظم للري” في سهل برشيد على مدى العقدين الماضيين.
وأشارت في تقرير صدر في نونبر الماضي: “بين عامي 2007 و2017، قفز إنتاج الجزر، على سبيل المثال، بنحو 500% في المنطقة”، مؤكدة أن طبقات المياه الجوفية هناك كانت “أحد أكثر الطبقات تدهوراً” في البلاد.
إن النموذج الزراعي المغربي، الذي ركز لمدة 15 عاما على التصدير، يثير مرة أخرى العديد من التساؤلات مع العلم أن المغرب يواجه “انخفاضا مطلقا في إمدادات المياه” ويركز على المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، كما يشير الخبير الزراعي محمد الطاهر الصرايري.
وتقدر الاحتياجات الوطنية للمياه بأكثر من 16 مليار متر مكعب، منها 87% مخصص للقطاع الزراعي، لكن حجمها الحقيقي لم يتجاوز خمس مليارات خلال الخمس سنوات الماضية، بحسب السيد بركة.
ويرى الخبير الزراعي عبد الرحيم حندوف أنه “يجب إعادة النظر في السياسة الزراعية من الأعلى إلى الأسفل”.
ويضيف متأسفاً: ”اليوم لدي انطباع بأن الحكومة تنظر في اتجاه بينما الواقع يصب في اتجاه معاكس”