كواليس انتحار طبيبة في طنجة.. ضغوط مهنية و معاناة مع مظاهر العبودية
طنجة – خاص
اهتزّ الوسط الطبي بطنجة خلال الساعات الماضية على وقع خبر صادم: انتحار طبيبة مقيمة شابة، في سنتها الخامسة من التخصص في طب الأطفال، كانت تزاول مهامها بالمركز الاستشفائي الجامعي بالمدينة. رحيلها المأساوي لم يكن مجرد حادث فردي، بل صرخة قاسية تختزل معاناة فئة كاملة من الأطباء الشباب، الذين يشتغلون في صمت تحت ظروف نفسية ومهنية قاهرة.
أسئلة مؤلمة… وإجابات غائبة
انتحار الطبيبة الشابة ليس مجرد “واقعة حزينة”، بل مؤشر خطير على واقع أصبح لا يُطاق. الأسئلة تتزاحم: ما الذي يدفع طبيبة متفوقة، في السنة الأخيرة من تكوينها، إلى إنهاء حياتها؟ أي ضغوط تمارس في أروقة المستشفى الجامعي؟ لماذا يشتغل الأطباء المقيمون في ظروف أقرب إلى العبودية منها إلى التكوين العلمي أو الإنساني؟
إما الخضوع… أو التهديد بالمستقبل
شهادات من داخل أوساط الأطباء المقيمين بالمركز الاستشفائي الجامعي بطنجة تكشف عن بيئة مهنية خانقة، يتحكم فيها “الأساتذة المشرفون” بسلطات شبه مطلقة، في غياب أي آليات للمراقبة أو التظلم. يملك الأستاذ القرار الوحيد في السماح للطبيب المقيم بالتخرج، أو تأخير تخرجه لأشهر وسنوات، لأسباب لا تكون دائمًا علمية أو مهنية. بل إن بعضهم، حسب مصادر مطلعة، يمارس ضغوطًا نفسية وابتزازًا مبطّنًا يصل حد الإهانة، التحقير، والتعامل مع الطبيب الشاب كـ”خادم ميداني” لا كزميل علمي في طور التكوين.
بيئة مهنية سامة
تُجمع شهادات متطابقة على أن مستشفى طنجة الجامعي تحول إلى مركز إنتاج للضغط والانهيار النفسي، بدل أن يكون فضاءً للتكوين والتطور. يشتغل الأطباء المقيمون لساعات طويلة دون راحة، يُستدعون ليلًا ونهارًا، يُكلفون بمهام خارج اختصاصهم، ولا يملكون الحق في الاعتراض دون الخوف من “العقاب الإداري” أو “التأديب غير المعلن”. النتيجة؟ حالات احتراق مهني جماعي، وكبت نفسي، وتزايد مؤشرات القلق والاكتئاب في صفوف هؤلاء الأطباء، دون وجود أي دعم نفسي أو قانوني مؤسساتي فعّال.
الانتحار لم يكن صُدفة
الطبيبة التي أنهت حياتها لم تكن حالة نفسية معزولة. كانت زميلة يشهد لها الجميع بالكفاءة والالتزام. لكن البيئة التي اشتغلت فيها، والسياسات التي تحاصر الأطباء الشباب من كل جانب، كانت أقوى من قدرتها على التحمل.
انتحارها هو نتيجة طبيعية لمنظومة غير إنسانية، تسحق الطاقات الشابة، وتُدمر المعنويات، وتُخضع الأطباء لمنطق “الخوف والطاعة العمياء” بدل منطق التعاون العلمي والتكوين الرصين.
هل من مساءلة؟ هل من محاسبة؟
أمام هذه الفاجعة، يسائل الرأي العام الطبي والوطني الجهات المسؤولة: أين دور وزارة الصحة والتعليم العالي؟ أين لجان المراقبة والتفتيش؟ لماذا لا توجد قنوات آمنة للطبيب المقيم لرفع تظلمه دون خوف من الانتقام؟ إلى متى ستبقى كرامة الطبيب المقيم رهن مزاج الأستاذ المشرف؟
المطلوب اليوم ليس فقط التعزية… بل المحاسبة
نحن أمام جريمة صامتة تتكرر في الظل: جريمة اغتيال الكرامة، والسكوت عن التنكيل بالكفاءات، وتسيير المراكز الاستشفائية بعقلية الإقطاع الأكاديمي.
الطبيبة الشابة لم تنتحر فقط، بل قُتلت معنويًا، بقسوة الإهمال، وبجدران الصمت، وبسكاكين البيروقراطية.
حان الوقت لفتح تحقيق شفاف ومستقل، يستمع للأطباء المقيمين، يكشف ممارسات الإذلال، ويعيد الاعتبار لقيمة الطبيب الشاب الذي يشكّل العمود الفقري لمستقبل الطب في البلاد.
ذات صلة:
طنجة تهتز على وقع انتحار تلميذ يبلغ من العمر 13 سنة بحي المرس 1
خيبة أمل في أوساط البنك الشعبي.. طنجة تهتز على وقع انتحار ثانٍ لموظف بنكي خلال عام
Discussion about this post