إيكونوميك بريس من مسنانة في أحد المقاهي المجاورة لمجمع الضحى بمنطقة مسنانة، يجتمع صباح مساء “جيش” من ممتهني السمسرة في مجال العقار، (بيع وشراء المنازل الفردية، الأراضي العارية، الأساسات الغير المبنية، عمارات السكن المشترك، كراء ورهن المحلات التجارية، أو شراء المفاتيح، وغيرها من المعاملات العقارية..). يرتشف أحدهم كأس قهوته ذات صباح، وهو ملتحف وسط جلابة صوفية تدفع عنه لسعات البرد القارس هذه الأيام الشتوية، ثم يلتهم صحنا من البيض المقلي والجبن العربي الطري، وما إن ينتهي حتى يباشر اتصالاته التي لا تتوقف، “ألو إبراهيم (اسم مستعار) فاينك أصحبي، راه عملنا مع السيد فـ 11، ونتا باقي ما جيتي للقهوة”، كان حديثه موجها إلى صاحب شقة في تجزئة قريبة من مجمع “البيت العتيق”، حسب قوله. كما يعتمد مزاولو هذه المهنة التي لا تحتاج إلى دبلوم ولا إلى مؤهلات علمية، على وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التواصل الفوري، مثل “فايسبوك”، و “واتساب”، لمشاركة عروض الوساطة في البيع والكراء والرهن. ليس هذا فحسب، بل إن بعض السماسرة خبراء في المفاوضات العسيرة، مع أصحاب العقار، وتذليل العراقيل و”المهام الصعبة” مع موظفي الإدارة، عند الاكتتاب لنقل الملكية، وحتى استصدار رخص البناء وشواهد السكن. ويساعد “جيش السماسرة” في مهام تقييد العقارات في سجلات الملكية، عدول التوثيق التي لا تبتعد مكاتبهم سوى بمسافة قصيرة عن مسجد بلال في منطقة مسنانة، بعض هؤلاء توجد مكاتبهم في قيسارية “عشوائية”، يمتلكها شخص أدين جنائيا بأربع سنوات سجنا، بعد متابعته بتهم التجزيء السري، والسطو على أراضي المياه والغابات، كانت مخصصة لمقبرة نموذجية. ومع مرور الأيام ودوام المزاولة، أصبح عدد من هؤلاء خبراء في مجال التعمير والبناء، كأنهم يشكلون إدارة موازية للإدارة الرسمية، بل إن خبرة بعضهم تفوق خبرة مهنسي الوكالة الحضرية، وتقنيي قسم التعمير في المقاطعات، بل إن دهاء بعض المحترفين القدامى يطفئ حماس بعض رجال السلطة، الذين يبدأون مهامهم بجدية في محاربة ظاهرة “البناء العشوائي”، لكن ما إن تمر “أيام الباكور” حتى تتفرخ أحياء بين عشية وضحاها. وإلى جانب ذلك، يقوم “الموظفون” الجالسون في المقاهي آناء المساء وأطراف النهار، بمنح “التأشيرة” للمواطنين الذين يرغبون في مخالفة القانون، وزيادة الطوابق، أو بتحويل الشقق السفلى في المجمعات إلى محلات للبقالة والحلاقة والمأكولات الخفيفة، كما هو الحال في عدد من المجمعات السكنية القريبة، حيث يوجد من بين هؤلاء الأشخاص “عباقرة” متخصصون في دور الوساطة بين أصحاب الطلب، وبين جهة المراقبة، للقيام بتلك التغييرات المخالفة للقانون في أمن وسلام، وهذه الوظيفة تحتاج “كفاءة” لم تدرس في المؤسسات التعليمية ولا في الجامعات العليا. وبحسب أحد العارفين بخبايا مجال السمسرة العقارية، فإن مزاولي هذه المهنة يحققون مداخيل سنوية مهمة لا “تقشع” فيها حسابات الدولة شيئا، لأنها تتم دون فواتير ولا محاسبة مالية، أو ما يعرف بـ “النوار” و هي المعاملة التي لا تتأثر في كل بلدان العالم لا بأزمة اقتصادية، ولا بكساد تجاري، حيث يحقق أصحابها رقم معاملات جيدة، تزيد وتنقص حسب سوق العرض والطلب.]]>