إيكو بريس – عبد الرحيم بنعلي
سارعت عمالة المضيق الفنيدق إلى إصدار بلاغ مقتضب للرأي العام، اقتصرت فيه على إدانة التظاهرة الاحتجاجية التي شارك فيها سكان مدينة الفنيدق، وغالبيتهم من الشباب والنساء العاطلين عن العمل، معتبرة أنه “تجمهر غير مرخص في حالة الطوارئ الصحية”، وتحدثت عن وقوع 6 إصابات في صفوف القوات العمومية، و10 إصابات بين الشبان المشاركين في الشغب، وقد نقلوا جميعا إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية.
وقد وقع محررو بلاغ عمالة المضيق الفنيدق في أخطاء وهفوات تواصلية متعارف عليها في علم التواصل، لعل أولها هو تجاهل المشكل في متن البلاغ، حيث يخطر على بال أي قارئ للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق بـ “تمرد طائش”، وليس باحتجاجات ذات أسباب معيشية، وحتى وإن حاول البعض الركوب عليها، كما نقول بالدارجة، فينبغي الاعتراف بحق الجائع في التعبير عن الألم الذي يشعر به لحظتها، خصوصا وأن السلطات المحلية يفترض أنها رصدت في تقاريرها حالة الركود التام في المدينة، وتناقص الاستهلاك بسبب نفاذ مدخرات الأسر.
ثانيا كان على بلاغ عمالة المضيق الفنيدق، أن تتحدث عن كون التظاهرات شهدت اختراق مجموعة من القاصرين، والذين دخلوا فعلا في اشتباكات مع رجال الشرطة والقوة العمومية، وهو ما نجم عنه إصابات بين الطرفين، أما إدانة التجمهر بدعوى أنه تزامن مع فترة استمرار حالة الطوارئ الصحية، فهو ربط غير سليم في سياق الوضع الراهن، لأن الاحتجاجات منذ شهور وهي تعتمل وسط ساكنة بلدة الفنيدق، من خلال أحاديثهم عن الأزمة المادية في مجالسهم الأسرية وفي المقاهي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن خروج الناس للتعبير عن معاناتهم بالصراخ في الشارع كان مسألة وقت.
ثالثا: كان على بلاغ عمالة المضيق الفنيدق، أن يجدد تذكير الرأي العام الوطني بأن مقر العمالة احتضن نهار نفس اليوم، اجتماعا رفيع المستوى حول مشكل الركود الاقتصادي، وقد ترأسه السيد والي الجهة محمد مهيدية، من أجل معالجة التداعيات الاجتماعية الناجمة عن غياب فرص الشغل البديلة لساكنة المناطق الحدودية المذكورة، وهذا الحدث الهام جدا عرف تقصيرا في التسويق له عبر محتويات سمعية بصرية متنوعة، والذي كان سيعطي للرأي العام انطباعا بأن الإدارة ماضية على قدم وساق في البحث عن بدائل مهنية تحفظ كرامة المواطن المغربي، بعيدا عن إذلال وإهانة التهريب الإسباني.
رابعا: كان على البلاغ أن يؤكد بأن موضوع المناطق الحدودية هو شأن سيادي مغربي، وليس موضوع مزايدات أي طرف خارجي، أو ابتزاز سياسي من أي جهة كانت، ومن ثم وجب إدانة بعض وسائل الإعلام الإسبانية الموالية لليمين المتطرف، والتي تحاول تضخيم الأحداث، وربطها بحراك الريف، وكلام فارغ لا أساس له من الصحة.
خامسا: مراعاة للوضع النفسي والاجتماعي الضاغط على الساكنة المتضررة من الأزمة المعيشية، يجب تكريس خطة تواصلية بعناية وانتظام لخلق جسر بين السلطات والمواطن وزرع الثقة والأمل، لأن التكرار الفعالThe effective frequency” ، له تأثير نفسي مؤثر على سلوك الأفراد والمجتمع، ولعل تجربة وزارة الداخلية خلال فترة الطوارئ الصحية في مرحلتها الأولى خير دليل على نجاعة هذه الطريقة، أما صمت السلطات الترابية فيكون في الغالب مصدر قلق في ظل السياقات الصعبة التي تنتظر الانفراج.
وهذه فرصة للتذكير بفضيلة الاعتراف، وحث الإدارة المغربية على التخلص من عقدة الاعتراف بوجود مشكل ما، فليست هناك أي دولة في العالم خالية من إشكالات معينة، ومطالب مجتمعية، قد تختلف إلحاحيتها وسياقاتها لكنها مسألة حتمية.