إيكونوميك بريس – عبد الرحيم بنعلي
تفتخر الأمم المتقدمة بوجود صحافة قوية في بلدانها، تقوم بوظائف الإخبار والإنباء عبر تغطية كل الأحداث الصغيرة والكبيرة، وممارسة دورها المنوط بها بكل مسؤولية وجرأة في إطار من التحيز أو الحياد، وذلك حسب الخط التحريري الذي يحكم اتجاه بوصلتها من خلف الستار، إما عن طريق ضخ الدعم والاستثمار المباشر لرأس المال، أو إغداق الوصلات الإشهارية والإعلانات الممولة.
ومع تحول عروض الإعلانات الدعائية الممولة، إلى سيف مسلط على وسائل الإعلام لإخضاعها وضبطها وشراء صمتها عن قول الحقيقة للرأي العام، برز توجه جديد في الصحافة الدولية المحترمة، يقوم على أساس فكرة دعم الصحافة المستقلة، لأن الاستقلالية والحرية، هي لذة مهنة الصحافة وعنصر إبداعها.
ولأن هناك فئة من الجمهور من يدافع عن الكلمة الحرة، والحق في الإخبار، وجدت مجموعة من الصحف الإلكترونية تمويلا بديلا يمدها بالقوة، وبروح الاستمرارية، ويتعلق الأمر بالمشتركين معها، مقابل مساهمات بسيطة مقابل الاشتراط الشهري أو السنوي، وفي هذا الصدد نشير إلى تجربة صحيفة “لو بارسيان” الفرنسية، وصحيفة “النهار” اللبنانية.
وعند التساؤل عن سبب “ضعف” المشهد الإعلامي في بلادنا، يمكن القول دون تردد في ذلك، أن هذه الفئة من الجمهور لم تعلن عن نفسها بعد، لكن في نفس الوقت لا تتوقف عن لوم المنتوج الصحفي الرديء المتاح في سوق الاستهلاك.
وأمام هذا الوضع، تجد بعض التجارب تبذل قصارى جهدها ساعية إلى تقديم منتوج صحفي مهني، لكنها لا تجد حتى من يشارك معها المعلومة التي تهم القراء، وليس معلوما ما هو السبب في ذلك بالضبط هل هو سهو أو نسيان؟ أو ضعف تواصلي مع ممثلي وسائل الإعلام؟ أو هو هروب منها من الأصل، عملا بقاعدة “الباب لي يدخل منو الريح سدو واستريح”.
غير أن مسألة إغلاق الباب في وجه وسائل الإعلام أساسا، وحجب المعلومة عنها لن يؤدي بالضرورة إلى قطع الطريق عليها في القيام بوظيفتها الإخبارية، فإذا تعذر لأي سبب من الأسباب تغييب وسائل الإعلام لحضور تظاهرة، فليس ذلك يمنع من تناول الموضوع ومواكبته، فالإخبار يكون إما بتغطية الحدث من عين المكان، أو أنها تعلق عليه وتنبش في كواليسه، وتناقش أبعاده وامتداداته وشبكة علاقاته، والرابح والخاسر منه.
ومن جهة أخرى، هناك فئة من الفاعلين رسميين ومدنيين يؤمنون بقناعة متناقضة، ربما عن غير قصد، فهم يحتاجون إلى الإعلام وفي نفس الوقت لا يريدونه، أو بالأحرى يحبذون حضوره في بعض الأحيان ولا يروقوهم ذلك أحيانا أخرى، إما لأنهم يحتاجون الصحافة متى ما تعلق الأمر بالمدح والثناء والتصفيق، ويتبرمون منها متى ما كان الأمر مدعاة لـ “الإزعاج”، حسب اعتقادهم، أو أن هناك خفايا وأسرار يجب أن تبقى طي الكتمان.
لكن المنطق السليم، يقتضي الانفتاح على مختلف وسائل الإعلام، ووضع الكرة في مربع ملعبها، فإن هي قامت بدورها في التغطية، قامت بوظيفتها الإخبارية على أكمل وجه، بغض النظر عن تعليقها على الحدث بالمدح أو النقد، ولو أن الموضوعية تتطلب المدح عنج الإنجازات والنقد البناء عند الإخفاقات، وإذا لم تقم وسائل الإعلام بوظيفتها وتجاهلت دعوات المعنيين من المسؤولين والفاعلين، فهي تتحمل كامل مسؤوليتها في التقصير بواجبها، بل قد يصل الأمر إلى أن تفقد مصداقيتها التي هي رأسمال مهنة الصحافة.