إيكو بريس – طنجة بات واضحا بما لا يدع مجالا للشك أن التهور والاستهتار بالاحتياطات الوقائية والتدابير الاحترازية، في سلوك الناس أفرادا ومجموعات واحد من بين أكثر الأسباب الرئيسية في استفحال الوضعية الوبائية في مدينة طنجة، هذا ما تؤكدها شهادات الأطر الطبية، وكلام أهل الاختصاص منزه عن العبث، فخلال بداية شهور الجائحة كان المواطنون ملتزمون بوسائل الحماية، لأبعد حد، وأبانوا عن وعي كبير يدعو للافتخار، لكن هذا المكسب لم نستطع الحفاظ عليه في الأشهر الأخيرة حيث تغيرت السلوكيات بشكل معاكس تماما، وكأن الوباء اختفى من الأرض. لكن المثير للاستغراب، هو أنه بالرغم من تدهور الأوضاع الصحية أمام أعين الجميع نتيجة الاستهتار، والتي أدت إلى امتلاء قسم الإنعاش عن آخره، وارتفاع أعداد الوفيات في بشكل يومي، إلا أن التقصير في التقيد بالإجراءات الوقائية من جانب المواطنين صار كما لو أنه تصرف عادي، لا يأبه الناس بعواقبه. كما أن الطامة الكبرى، تتجلى في تصديق “نظريات” تنكر وجود فيروس معدي من الأصل، بل إن هذا الكلام الذي لا أساس له من الصحة وجد بيئة مساعدة على تقبله وتصديقه ونشره ومشاركته كما لو أنه الحقيقة. لكن ألم يتساءل هؤلاء لماذا ستغامر كل دول العالم باقتصادها. ولماذا ستقفل حدودها مع جيرانها؟ ولماذا ستحد من حركة السياحة؟ ولماذا ستوقف ماكينات الصناعة؟ هل من أجل تمثيل مسرحية رديئة الإخراج؟ وإذا ذهبنا أبعد في هذه الفرضية الغير المنطقية، فكم عدد الممثلين المشاركين في هذه المسرحية؟ وأي مصلحة لهم في ذلك؟ فعلى سبيل المثال لماذا تنخرط إذن جيوش الأطباء والدكاترة في معركة محاربة فيروس كورونا؟ لماذا إذن يغلف الأطباء والممرضون أنفسهم وسط لباس خانق وهم يقومون بأعمال شاقة ومرهقة وتحت ضغوط رهيبة تسابق الزمن، لإنقاذ حياة المرضى في حالة الخطر؟ هل من أجل المشاركة في مسرحية مزعومة؟ ولعل ما يثير الاستياء، وسط الفاعلين وهيئات المجتمع المدني، هو تصرفات طائشة لبعض الأشخاص الذين يخضعون للعزل الصحي في مستشفيات التكفل بالمصابين بفيروس كورونا، فينشرون تسجيلات على سبيل الدعابة تقلل من خطورة المرض، وتستخف بالرعاية الصحية المعتمدة في العلاج. لكنها في الحقيقة تتناسى أن هذا الوباء هو من الفيروسات المجهرية التي لا ترى بالعين المجردة، ثانيا خطورته تتفاوت من شخص لآخر، فإذا كانت مناعة شخص قادرة على مقاومة حضانة الفيروس، فإن أجسادا أخرى ذات مناعة هزيلة لن تستطيع مقاومته، وسينهش جهازها التنفسي ويحكم على حياتها بالموت. والخطير في الأمر، هو أن عوامل انتقال الفيروس أصبح ينتشر داخل الوسط العائلي والأسري، كما أن فيروس كورونا المسبب لمرض “كوفيد” لم يختار في خطف الأعمار بين كبير وصغير، فمؤخرا تسبب شاب في العشرينات من العمر، في نقل العدوى إلى شقيقته التي لم تتعدى الثلاثينات من عمرها، لكن لأنها كانت مصابة بداء مزمن لم تستطع مقاومة الفيروس رغم إخضاعها للعلاج الطبي. وإذا كان المجتمع في أوقات كثيرة لا يتوقف عن انتقاد السلطات والإدارة والمؤسسات في التقصير بواجباتها، فإن هذا الكلام اليوم مردود على أصحابه، فلا حاجة للتذكير بأن مختلف الإدارات في مدينة طنجة، وأمام أعين الجميع يتحرك مسؤولوها كخلية نحل، ويصلون الليل بالنهار، كل من موقعه ومسؤوليته لتوفير الظروف والأجواء السليمة للتقليل من أعداد الإصابات، والخروج من هذه الأزمة الصحية بأقل الخسائر الاجتماعية والاقتصادية. ولئن كانت كل المصالح الخارجية تشتغل بفاعلية وفعالية، فإن الفضل الكبير يرجع رأسا إلى السيد محمد مهيدية، والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، وعامل عمالة طنجة، بحسب كثير من المتتبعين والملاحظين، لأن العمل الذي يقف عليه الرجل في الميدان منذ بداية الجائحة، أكثر من الوقت الذي يقضيه في مكتبه، بل حتى وقت تواجد في الطابق الرابع بمقر ولاية الجهة، فإن جدول عمله اجتماعات متلاحقة، يفصل بينها مكالمات واتصالات هاتفية لتفقد الأحوال في المستشفيات وفي الأسواق وأماكن التجمعات. وإذا كان لا بد من تسمية الأشياء بمسمياتها، من باب التذكير لا بأس بالبحث عن أجوبة للأسئلة التالية: من تفاعل على وجه السرعة مع الأطر الصحية عندما طالبوا بتوفير وسائل نقل خاص في بداية شهور الحجر الصحي ؟ من وفر للأطباء فنادق للإقامة وشركات متخصصة في الإطعام ؟ من أعطى التعليمات لتجهيز مصحات خاصة؟ من لعب دور التنسيق بين القطاع الصحي الخاص الذي قدم دعما ماديا وبشريا لأطقم المستشفيات العمومية ؟ من كان يقف على تحركات الإدارة الجهوية لوزارة الصحة؟ ومن ألح على وزير الصحة إمداد متشفيات المدينة بأطقم بشرية إضافية ؟ ومن ساهم في التحسن الأمني الملحوظ في عاصمة البوغاز ؟ من كان يسهر على تتبع أحوال أسواق القرب وأسواق الجملة باعتبارها مصدر الأمن الغذائي للسكان؟ من كان يفاوض الشركات والمصانع للتجاوب مع شروط لجنة اليقظة بتخفيض إجمالي عمالها إلى الثلث؟ من كان يشرف على لجن تفتيش الشغل التي ما تزال تشتغل بنفس الفعالية إلى غاية اليوم؟ ومن كان يستقبل الفئات المهنية المتضررة من تداعيات الجائحة ويبحث معها الحلول الممكنة؟ كما لا يخفى على كل متتبع موضوعي، ما يبذله أفراد الأمن ورجال الشرطة، ليل نهار من جهود دالة على التعليمات الصارمة، وتعكس دينامية الجهاز الأمنية ويقظته وجاهزيته خلال الأزمات، إذ منذ شهر مارس الماضي، كثفت ولاية أمن طنجة تواجد عناصرها في المستشفيات والمراكز الصحية، والشواطئ والأسواق، والأماكن العامة، حيث يسهر أفرادها على مراقبة مدى احترام المواطنين للتدابير الاحترازية التي تصدرها وزارة الداخلية. إلا أنه وجب التأكيد مجددا، على أن المقاربة الزجرية وحدها إذا لم يصاحبها اقتناع بالموقف من جانب المواطن، كان شخصا ذاتيا أو معنويا، (شركات ومؤسسات). فإن التطبيق السليم للقانون على أرض الواقع لن يخلو من إكراهات، وهو ما يؤدي إلى التوترات ويغذي الاحتقان بين المواطن والإدارة، فحتى لو افترضنا أن الحكومة أخطأت في جوانب عدة خلال تدبير أزمة الجائحة، فإن المصلحة العامة، والقيم المغربية المثلى يجب أن تتجسد في سلوك المواطنين، وليكن شعار الجميع “الوقاية خير من العلاج”، وسبيل ذلك “ارتداء الكمامة” والانتباه المستمر لنجسد عنوان المرحلة “نبقاو على بال”، فالحفاظ على الأرواح، وإنقاذ الاقتصاد من السكتة القلبية، معادلة صعبة، مسؤوليتنا جميعا.]]>