تحقيق: الوجه الخفي لشركات الإسعاف في طنجة
في مدينة طنجة، لم تعد سيارات الإسعاف الخاصة مجرد وسيلة لنقل المرضى، بل تحوّلت إلى مرافق عشوائية مظلمة، تسكنها مظاهر التسيّب، وتخترقها شبكات سمسرة وفساد، ومن ذلك ترويج أدوية الإجهاض المحظورة. فمن حيث يفترض أن تبدأ رحلة الإنقاذ، تبدأ مأساة جديدة عنوانها الاستغلال، والنصب، وانعدام الكفاءة.
سائقون خارج القانون
في واقعة حديثة كشفت بعضًا من هذا المستنقع، ألقت المصالح الأمنية القبض على أحد سائقي سيارات الإسعاف الخاصة بمحيط مستشفى محمد الخامس، بعد أن ثبت ضلوعه في قيادة شبكة لترويج أدوية تستعمل في الإجهاض السري.
التحقيقات كشفت أن الرجل لم يكن استثناءً، بل واحدًا من عشرات السائقين الذين يشتغلون في هذا القطاع دون أي تكوين، ولاحتى مستوى تعليمي يسمح بفهم أدنى قواعد السلامة الطبية.
أحد السائقين اعترف لمراسلنا، حين سُئل عن تكوينه الطبي، قائلاً: أنا قريت غير للخامسة ابتدائي… خدمت حارس أمن فالمستشفى، ومنين طردوني، عرفت الخبايا، وشريت سيارة إسعاف ودخلت نخدم، بلا رخصة وبلا تكوين.
شبكات سمسرة بمقابل مادي
يبرز جانب آخر أكثر خطورة في هذا الملف ألا وهو تحوّل عدد من سائقي سيارات الإسعاف إلى سماسرة يعملون لفائدة مصحات خاصة، وأطباء في القطاع الخاص.
فبمجرّد دخول المريض إلى المستشفى العمومي، تبدأ محاولات استدراجه – أو استدراج أهله – نحو مصحات بعينها، مقابل عمولات قد تصل إلى 5000 درهم لكل رأس، بحسب إفادات متقاطعة لمصادر طبية.
تقصير جماعة طنجة
رغم أن جماعة طنجة هي الجهة المسؤولة قانونيًا عن منح التراخيص لسيارات الإسعاف الخاصة، إلا أن الواقع يكشف غيابًا تامًا للرقابة، وعدم وجود أي جرد فعلي لعدد السيارات، أو تتبع للمخالفين، أو إجراءات لسحب الرخص من الخارجين عن القانون.
وما يزيد الطين بلّة، هو أن عددًا كبيرًا من هذه السيارات دخل إلى المغرب كهبات جمعوية معفاة من الرسوم الجمركية، لكنها سرعان ما تحولت إلى مشاريع استثمارية خاصة وشركات تستغل الامتيازات القانونية لأغراض تجارية بحتة.
صرخة من داخل القطاع
ترتفع الصرخات من داخل قطاع شركات الإسعاف منددة بالفوضى العارمة التي تهيمن عليه حتى أنها تجعل ممتهنيه الملتزمين بالقوانين المؤطرة ضحايا، وتضع المرضى في دائرة الخطر.
مصطفى.ب، مدير شركة قانونية تتوفر على سيارة إسعاف مرخصة، يقول في تصريح صريح:
نحن نشتغل وفق القانون، نؤدي الضرائب، ونحترم دفاتر التحملات، لكننا ضحايا فوضى عارمة… كل من هبّ ودبّ أصبح يشتري سيارة إسعاف، ويبدأ في نقل المرضى دون أي مراقبة، وفي النهاية المريض هو الضحية.
ولاية الأمن مطالبة بالتدخل
يثير هذا الوضع الكارثي الذي يخيم على شركات الإسعاف مسؤولية ولاية أمن طنجة باعتبارها الجهة المكلفة بتنظيم السير وضبط المخالفات.
إن القيام بحملات تمشيط واسعة يشكّل خطوة ضرورية لكشف المستور في هذا القطاع الذي يخفي كوارث تتجاوز حدود الفوضى إلى مستوى شبكات مافيوزية مهيكلة.
وما خفي أعظم… ذلك أن شجرة الإسعاف لا تُظهر إلا قشرتها البيضاء، بينما الجذور تنخرها ممارسات منحرفة، وتواطؤات مريبة، ولامبالاة رسمية.
خلاصة
إن ما يحدث في قطاع شركات سيارات الإسعاف الخاصة بطنجة هو وجه آخر لمنظومة صحية تعاني من الاختراق، والفساد، وغياب المراقبة.
فلم تعد المسألة تتعلق بخدمات صحية سيئة، بل بشبكة نقل موتى متنقلة تتاجر في الألم البشري، وتستفيد من الصمت العام. فهل تتحرك الجهات الوصية قبل أن تتحول سيارات الإسعاف من رمز للحياة… إلى أداة موت موثقة؟
Discussion about this post