إيكو بريس من الرباط –
صدق من قال ليس من رأى كمن سمع، فأحيانا مهما اجتهد المتحدث في حكي المعاناة لن يسعفه التعبير لجعل الآخر يشعر بذاك الإحساس المرير أو المؤلم، فمن يعيش التجربة بنفسه يتجرع ما يعاني منه الآخرون.
فعلى ما يبدو أن رياح التغيير نحو الرعاية الأفضل في خدمات الصحة العمومية بالمملكة، لا تجري بالسرعة المطلوبة التي طالما يحث عليها جلالة الملك محمد السادس في خطبه السامية، ولا ترقى كذلك لمستوى ورش تعميم التغطية الصحية، بالنظر إلى واقع الحال المتردي في بنية الاستقبال بالمستشفيات الحكومية.
فإذا كانت الأطر الطبية والتمريضية مضطرة للتعايش مع الوضع المتردي، نظرا لقضاءها مدة مؤقتة أو محددة خلال أوقات العمل، ثم تعود للبيت لتأخذ قسطا من الراحة، فإن المرضى ومرافقيهم يمكثون وقتا طويلا متصلا داخل نفس الفضاء الذي يفترض أنه مشفى وليس مشقى !!
ففي مستشفى الأطفال بالرباط يعيش الرضع والأطفال الصغار وأمهاتهم خصوصا النزلاء في الطوابق العلوية من هاته البناية العتيقة، ظروفا مزرية لا تعكس الصورة الوردية التي تحاول الحكومة الترويج لها عبر مهرجانات الشواطئ في فصل الصيف، وعبر سياسة “صباغة الواجهة وغرس الورود في الباب”.
فإذا كان الصيف يمر بطعم الترفيه لشريحة من الناس الذين لا يضرهم شيء في صحتهم، فإنه يمر على الأسر التي لديها أطفال مرضى يتلقون العلاج في مستشفى الأطفال بالرباط، بكثير من المعاناة ليس بسبب نقص الأطر الطبية والتمريضية أو ضعف كفاءتها، وإنما بسبب تدهور بنية الاستقبال والإقامة حيث توجد أسرة مهترئة وكراسي مكسورة ورفوف غير موجودة ومراحيض تحتاج للصيانة أو خارج الخدمة فضلا عن نقص بعض المعدات لدى الأطر الصحية.
وعكس كل الشعارات التي ترفعها الحكومة في مختلف الأوراش، على غرار الإحصاء الوطني “قيمة بلادنا سكانها” فإن واقع الحال مختلف بالمرة، حيث أنه لا قيمة للناس هنا في مستشفى الأطفال بالرباط، ضمن معادلة مريرة “اقبل بالوضع و الزم الصمت أو غادر” كما قالت إحدى الممرضات المحترمات لأم طفل رضيع، لم يكمل عامه الثاني بعد، حينما ألحت أمه أن تبيت هي ورضيعها في غرفة تأوي الرضع أو الأطفال القريبين من سنه، لا أن يكون في غرفة تضم الأطفال القاصرين.
ذلك أن الأم اشتكت إلى جانب نساء أخريات انتشار البعوض وسراق الزيت في غرف المبيت، إذ ما أن يحل ظلام الليل حتى تخرج الحشرات من أعشاشها لتتجول في أروقة وأركان غرف المبيت ، لتبدأ سهرة صيفية للأمهات مع معركة طرد حشرات الناموس وقتل سراق الزيت البغيض، حتى لا يغزو جسد الرضع والأطفال الصغار.
وتعد الحديقة الخارجية لبناية المستشفى المتنفس الممكن للأمهات وأطفالهن، من نقص التنفس في الغرف بفعل ارتفاع درجة الحرارة خلال شهر غشت، حيث يوجد في كل غرفة 12 نفرا ما بين الأطفال وأمهاتهم.
ولا حديث بين النساء كل صباح إلا عن معاركهن في الليل مع محاولة الخلود لقسط من الراحة، رفقة أطفالهن، لكن هيهات هيهات مع وجود الحشرات و شنيولا، حتى أن إحدى الأمهات التي تشتغل موظفة في المستشفى العسكري اضطرت لإخراج ابنتها خشية إصابتها بأمراض جلدية أو تنفسية وغادرت المستشفى بعدما لم تطق الوضع.
وعندما توجهت بعض الأمهات عند مكتب المدير لكي تطالبه بتحسين الوضع، لم يكن هناك مخاطب مسؤول يمكنه اتخاذ القرار في الإدارة، لأن المدير قيل أنه يوجد في عطلة، وهناك من قال أنه يوجد في مصحة زعير.
لكن بعض الأمهات اعتبرن أن وضعية مستشفى الأطفال أفضل بالنسبة لهن من الحالة السيئة للمستشفيات الإقليمية التي وفدوا منها إليه، لذلك لم يبدين أي رغبة في الاحتجاج على الوضع، لكن خلال أحاديثهن لا يخفين انزعاجهن من عضات الناموس لأطفالهن، و الصراصير التي تتجول فوق الأغطية والأغراض الخاصة المحطوطة على الأرض، لأن الغرف لا تتوفر على خزنة للملابس.
وفي الوقت الذي يفتقر أكبر مستشفى للأطفال إلى ظروف استقبال تحترم كرامة المواطن، فإن السبب في ذلك بلا شك ليس هو غياب الميزانيات الممكن توفرها لتحسين ظروف الخدمات الصحية، إنما سوء إدارة المال العام ونقص الحكامة في تسيير الميزانيات التي تصرف على السهرات والمهرجانات الصيفية أو في الصفقات المشبوهة عوض الاستثمار الأمثل للموارد المالية في الصحة العامة وحفظ كرامة الموطنين.
Discussion about this post