هل انتصر القانون في بوسكورة ؟؟
توصلت صحيفة إيكو بريس الإلكترونية، بمقال رأي يقدم قراءة موضوعية من الناحية القانونية والتقنية في قرار هدم “قصر الضيافة” وإعادة ضبط مجال التعمير بإقليم النواصر، الواقع ترابيا في جهة الدار البيضاء سطات.
وفيما يلي نص المقال
التضخيم الإعلامي ومحاولة صناعة رأي عام مضلل
لم تكن قضية “قصر الضيافة” في بوسكورة مجرد ملف عمراني بسيط، بل تحولت خلال الأسابيع الأخيرة إلى مادة دسمة لبعض المنابر ومواقع التواصل الاجتماعي، التي اختارت النفخ في الملف وتقديمه كصراع بين “الاستثمار” و“السلطة”. هذه المقاربة المضللة تجاهلت عمداً الطبيعة الفعلية للمشروع، وقدمت صاحب البناء في صورة “ضحية قرار إداري مفاجئ”، بينما الوقائع المحلية تؤكد أن الأمر يتعلق بمخالفة عمرانية جسيمة شُيّدت في منطقة فلاحية محمية.
ورغم أن بعض الصفحات حاولت خلق ضجة مصطنعة عبر عناوين مثيرة أو ادعاءات حول “تصفية الحسابات” أو “استهداف المستثمرين”، إلا أن المعطيات الميدانية تؤكد أن الملف لم يكن يحتاج إلى أي تضخيم، لأن الاختلالات صارخة والخرق واضح، وأن قرار الهدم لم يكن قراراً سياسياً ولا انتقامياً بل تحصيل حاصل لمسار طويل من محاولات الالتفاف على القانون.

الإطار القانوني للموضوع… أرض فلاحية وقانون صارم لا يقبل التأويل
يقع “قصر الضيافة” في نطاق فلاحي يخضع لتصنيف واضح يمنع إقامة أي منشآت فندقية أو سياحية أو قاعات للأعراس. الترخيص الأصلي الذي حصل عليه صاحبه كان يتعلق بمنشأة بسيطة مرتبطة بالفروسية والإيواء الريفي، لكن ما تم تشييده على أرض الواقع كان بنياناً مترامياً *عبارة عن قاعتين للاعراس تم تشيدهما ضدا عَلَى مايسمح به القانون.*

وبعد مراسلات متعددة منذ سنة 2022 طالبه بوقف الأشغال المخالفة، سنة 2024، قامت السلطات الإقليمية بسحب الترخيص بعد التأكد من الانحراف الخطير عن المسموح به، ومنحت مهلة لتسوية الوضع. ومع ذلك، تواصلت الأشغال بوتيرة سريعة وكأن قرارات الإدارة مجرد أوراق بلا قيمة، وهو ما يُعد خرقاً مباشراً للقانون 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.
إن هدم هذا المشروع جاء تطبيقاً صارماً لنصوص قانونية واضحة، وليس قراراً استثنائياً ولا إجراءً معزولاً، بل تنفيذ لسلطة القانون في مجال عمراني حساس يحمي الأراضي الفلاحية من المضاربة.
لا مجال للمزايدات… الدولة تحمي الاستثمار ولا تحمي الفساد
ما حدث في بوسكورة رسالة قوية محلياً ووطنياً، وهي أن منطق “النفوذ” و“العلاقات” و“الرخص الاستثنائية” لم يعد صالحاً في تدبير العمران. فالقانون لا يميز بين صاحب مشروع صغير أو مستثمر ضخم، ولا يميز بين اسم معروف وآخر بسيط. الدولة اليوم تطبق مقتضيات الحكامة العمرانية بنفس الصرامة على الجميع.
كما أن الإجراءات المتوازية التي صاحبت الهدم، مثل عزل رئيس جماعة بوسكورة وثلاثة منتخبين آخرين بسبب اختلالات في تدبير الرخص، أكدت أن الأمر ليس مجرد إزالة بناء، بل بداية لتنظيف شامل لمنظومة التعمير داخل الإقليم، ورد الاعتبار لهيبة القرار الإداري.

محاولات البعض تصوير الهدم كضرب للاستثمار تتجاهل أن الاستثمار الحقيقي هو الذي ينطلق من احترام التصاميم، والقوانين، والمساطر، وليس الذي يبنى على علاقات ضيقة أو تجاوزات مكشوفة مع محاولة تخويف السلطات من خلال الادعاء بعلاقات مع جهات عليا وانتحال صفة.

زيادة على كونه لجأ لأسلوب التحايل على التهرب من أداء رسم الأراضي غير مبنية، علما أن ادعاءات صاحب هذه الكارثة أن الامر يتعلق بفندق عاري من الصحة فلا وجود لعرض إيواء فندقي سياحي مزعوم عبر غرف ومرافق فندقية، ولا لتصنيف سياحي.

وأن ما أظهرته الكاميرات قاعات للأعراس لا غير تشجع على اقتصاد الريع، كما أن ما صرح به للصحافة بتشغيل 300 من اليد العاملة كذبة مفضوحة فالأمر لا يتعلق بوحدة لصناعة الطائرات أو الكابلاج التي تحتاج إلى عدد كبير من اليد العاملة.
أضف إلى ذلك أن ما قام به المعني بالأمر، استغلال ورش غير مرخص و تعريض حياة عمال للخطر، كما لم يثبت خروج المهندس المعماري المسؤول قانونيا على دفتر الورش واعلى تنفيذ الرخص، كما لم تتحرك هيئة المهندسين المعمارين للتوضيح أو التعليق على القرار، وهو ما يفند جملة وتفصيلا افتراءات صاحب قصر الكرملين.
العبر والدروس المستخلصة… بوسكورة كدرس وطني في الحكامة
أبرز ما كشفه هذا الملف هو أن المغرب بصدد إعادة هيكلة حقيقية لمنظومة التعمير على المستوى المحلي، وأن إقليم النواصر أصبح نموذجاً لتفعيل القانون دون تردد. ومن بين أهم الدروس المستخلصة:
1. نهاية مرحلة “التساهل العُرفي”: القرارات الإدارية لم تعد شكلية أو قابلة للتجاوز.
2. تعزيز مراقبة المنتخبين: توقيع الرخص مسؤولية لا امتياز، وأي انحراف عنها يقود إلى المساءلة.
3. حماية المجال الفلاحي: الأراضي الفلاحية لم تعد مجالاً مفتوحاً أمام المضاربة أو مشاريع “يتم تكييفها” بعد البناء.
4. ترسيخ الثقة بين المواطن والدولة: حين يرى المواطن أن القانون يُطبق على الجميع، يشعر بالعدالة والاطمئنان.
5. تحديث منظومة التعمير: تفعيل قانون 66.12 والإجراءات المواكبة جعل الإقليم يتحول من منطقة “اختلالات كبيرة” إلى مجال يخضع للرقابة والمسؤولية.
وهكذا، فإن “كرملين بوسكورة” لم يكن مجرد بنية مخالفة، بل كان اختباراً حقيقياً لمدى قدرة الإدارة على فرض احترام القانون. ونجحت سلطات إقليم النواصر في تحويل هذا الملف إلى درس محلي وطني، يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها: لا أحد فوق القانون، ولا استثمار خارج الشرعية.
















Discussion about this post