تتابع ساكنة حي رياض أهلا بطنجة باهتمام كبير ما صرّح به وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت تحت قبة البرلمان، عندما أكد بحزم أن الدولة ستتحرك لاسترجاع كل الأراضي والمرافق العمومية التي تم الاستيلاء عليها أو تفويتها بطرق غير قانونية، قائلاً:
«لي خذا شي طرف من الأرض ماشي ديالو خصو يردو، ولي خذا شي درهم خصو يردو، وإلا غادي يردها بزّز».
هذا التصريح الجريء، الذي لقي ترحيبًا واسعًا من الرأي العام، أعاد الأمل للساكنة التي تعيش منذ أشهر على وقع تفويتٍ صامتٍ لعدد من المرافق العمومية داخل الحي، في مقدمتها مدرسة عمومية ودار الشباب والمرفق الرياضي رقم 1، والتي تم تحويلها إلى مشاريع خاصة تحت ذرائع “الاستثمار والتنمية”.

من المرفق العمومي إلى المشروع الربحي
تؤكد الساكنة ممثلة بجمعية حي رياض أهلا للتنمية والبيئة والرياضة والثقافة، في حديث إلى صحيفة إيكوبريس، أن هذه المرافق كانت مصادقًا عليها ضمن تصميم التجزئة كممتلكات مخصصة للنفع العام، لكنها تحولت فجأة إلى مشاريع مغلقة في وجه المواطنين: مدرسة تُباع، ودار شباب تتحول إلى مصحة خاصة، ومرفق رياضي يُمنح للخواص. ويعد السكان أن هذه التحويلات ليست سوى تراجع خطير عن جوهر العدالة المجالية التي دعا إليها الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة.
فبعد تفويت مدرسة ابتدائية عمومية إلى مستثمرين خواص، تلاه تحويل دار الشباب إلى مصحة خاصة، جاء الدور على المرفق الرياضي رقم 1، الذي تم بدوره تفويته في ظروف غامضة، ضاربًا عرض الحائط بالمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، وبضمان العدالة المجالية في توزيع البنيات التحتية العمومية.
وتنص الأحكام المؤطرة للاستغلال، كما هو موضح في المادة 4 من النص التنظيمي، على نقل ملكية الأرض المخصصة للمساجد والجوامع مجانًا إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ونقل المساحات الخضراء وفضاءات ألعاب الأطفال والطرق والساحات ومواقف السيارات مجانًا إلى البلدية (الجماعة) بعد الموافقة النهائية.

تواطئات خفية وغياب المحاسبة
هذه التفويتات المتتالية، حسب الساكنة، لم تعد مجرد حوادث معزولة، بل صارت، في نظر الساكنة، سياسة أمر واقع تُفرض باسم الاستثمار، لكنها في جوهرها تسلب حقوق المواطنين في التعليم، والثقافة، والرياضة، وتضرب في العمق فلسفة المرفق العمومي التي تأسست عليها الدولة الاجتماعية.
وفي هذا السياق، توجّه ساكنة رياض أهلا ملتمسًا إلى السيد وزير الداخلية قصد تفعيل ما جاء في مداخلته الأخيرة أمام البرلمان، مطالبة بـ فتح تحقيق إداري وميداني حول مصير المرافق العمومية المفوتة بالحي، مع التأكيد على ضرورة تفعيل مبدأ المحاسبة وربط المسؤولية بالنتائج.
إن ما يحدث في رياض أهلا ليس سوى نموذج مصغّر لما يمكن أن يحدث في أي حي إذا تُركت المرافق العمومية فريسة للمصالح الخاصة. فحين تُباع المدرسة، وتُغلق دار الشباب، ويُسَيَّج الملعب، فإن المدينة تفقد شيئًا من روحها، وتتحول العدالة المجالية إلى شعار بلا معنى.

ويبقى أمل الساكنة معقودًا على التحرك الحازم لوزارة الداخلية لوضع حد لهذه الممارسات، واسترجاع المرافق العمومية إلى حضنها الطبيعي: خدمة المواطن، لا الاستثمار على حسابه.



















Discussion about this post