خطبة سياسية بامتياز اليوم نزلت مؤطرة بتصور ديني للعمل السياسي يتحدّد، بشكل عام، في “النصيحة”.
والنصيحة قيمة رمزية وليست قيدا دستوريا، كما أن لفظ “الأولاد” في عنوان الخطبة “تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام” يكشف التصور الأبوي، ظل الحاكم الذي يستظل فيه الأبناء ويتحركون فيه في مأمن من الحرّ.
هناك علاقة أبوية بين الحاكم والشعب، بين الأب وأولاده، وهي علاقة تتأسس على الطاعة والولاء واحترام المكانة الرمزية والمركزية للأب في الأسرة.
لكنها تفسح مجالا للنصح لولي الأمر، وفق شروط النصح وآدابه المفهومة ضمنيا من هذا التصوّر، أي أن النظام يرحّب بآراء الفاعل السياسي الشاب طالما تنضبط لشرط “الانقياد” و”السير في الركاب” وغيرها من المحددات غير المنصوص عليها في الدستور!
إنه التصور نفسه الذي يحمله حزب العدالة والتنمية للعمل السياسي ويعبر عنه أمينه العام في خطبه دوما ويتهم الحزب بسببه بأنه “ممخزن” و”مدجن” والذي يبدو أنه استنفد قوته ويحتاج من يحمل المشعل بعده..
صحيح أن مقام الخطاب أي خطبة الجمعة ليس مقاما دستوريا، بل دعويا وإرشاديا، لكن أتصوّر أحيانا أن خطب الجمعة وتفسيرات أهل الحل والعقد لبعض المسائل تفتح لنا نافذة على الدستور غير المكتوب..!
في الخطبة، يفسر الخطيب (وزارة الأوقاف في الحقيقة) حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم على أنه دعوة إلى الناس “(..) أن لا يألوا جهدا في النصح لولي الأمر وطاعته والانقياد له في المنشط والمكره، والسير في ركابه، والدعاء الخالص له؛ إذ بصلاحه تصلح البلاد والعباد”.
لنطرح الآن السؤال “الخطأ”: هل هذه الخطبة مسيّسة أم لا؟
الخطبة لم تدع إلى التصويت على حزب بعينه، وإنما دعت الشباب للمشاركة في السياسة، بعدما أخرج قرار جديد الشباب من عباءة الأحزاب.
وبهذا المعنى فهي تشجع على سلوك يدعمه الدين من منظور أن “المسلم الحق يتفانى في خدمة أمته ووطنه، ويبذل جهده لإسعاد غيره، ويناصح من ولاه الله أمره في توحيد الكلمة وجمع الصف والنصرة في موقعه الذي هو فيه”.
فهي محايدة بما أنها لم تتأوّل الدين على غير ما يحتمله. وعلاقة الدين والسياسة في التاريخ الإسلامي علاقة تلازم والملك إلى الآن في المغرب هو أمير المؤمنين.
بمعيار آخر، فالدعوة إلى المشاركة في “تدبير الشأن العام” والذي تعرّفه خطبة “تسديد التبليغ” بأنه “التدبير السياسي” جاءت استجابة لرؤية سياسية في رسم خريطة البرلمان القادم.
لقد اتبعت المنابر توجها سياسيا وجاءت لتمده بالسند الشرعي، علما أن لا شيء يقوم دليلا على أن حث الناس على تولي الشأن العام أولوية من وجهة نظر دينية وإيمانية!
هل ستسمو أخلاق الشباب بتولي الشأن العام؟ هل ستزكو وتصفو؟ هل دور المنابر أن تناقش أسئلة المشاركة والمقاطعة؟
ولنسأل الآن السؤال “الأصح” والذي ينطلق من أن منابر الجمعة كانت دائما مسيسة وستبقى، ومن ثم فالسؤال: ما أثر الصيغة الحالية من تسييس المنابر؟
ما أثر تحويل المنابر إلى ما يشبه قطب عمومي متجمد رديف… بعدما كان فيها متسع للتأثير والتنفيس وفق مقاربة مخففة وخطوط حمراء مقبولة عموما؟
ماذا أقصد؟ بعدما نهاية الخطبة اليوم، سأل أحدهم مصليّا عن موضوعها. فظل المصلي واجما.. كأنما لا يتذكر منها غير التأمين على الدعاء.. بل كأنها طقس لا روح فيه..
فهل يتلّقى المصلون الخطبة بالحماس الذي يتوقعه من يكتبها؟ هل للتسييس الجاري من أثر؟ ومن يعمر الآن قلوب المغاربة دينيا؟ هذا جوهر السؤال ربما..


















Discussion about this post