مدينة سلا… رفاهية رجال السلطة على حساب المواطنين الفقراء

مدينة سلا… مدينة تئنّ تحت أقدام جيش من رجال السلطة

بقلم: المراسل محمد بلمقدم مدينة سلا

في مدينة سلا، لا شيء يُشبه دولة المؤسسات، رغم وجود كل ما يُفترض أن يصنعها:
باشاوات، قواد، أعوان سلطة، عناصر القوات المساعدة، دوائر حضرية، ملحقات إدارية، سيارات رسمية، سكن وظيفي، أجهزة اتصال، وتجهيزات حديثة.

بل الأدهى: سلا ليست مدينة منسية أو طرفية…
إنها مدينة حضرية كبرى، يرأسها رجل دولة سامٍ: عامل صاحب الجلالة، الذي حضِي بثقة ملكية غالية، لا تُمنح إلا للرجال الذين يُنتظر منهم الكثير.

لكن، للأسف، ما ينتظره المواطن السلاوي، لم يأتِ بعد.

فرغم هذا الجهاز الإداري الضخم، ورغم العدد الكبير من القواد والمقدمين والشيوخ والباشاوات، ورغم الكم الهائل من عناصر القوات المساعدة المنتشرة في الشوارع، تبقى النتيجة واحدة:
مدينة تغرق في الفوضى والتهميش و البؤس الاجتماعي، وتُحكم بالعجز، وتعيش بلا هيبة للسلطة.

أين الخلل إذًا؟

هل يُعقل أن تُصرف الملايين من ميزانية الدولة على هذا الجيش الإداري:

سكن مجاني محترم لرجال السلطة

سيارات رباعية الدفع تمخر الشوارع

تعويضات عن التنقل

وقود مجاني

مكاتب مكيفة مجهزة

أعوان سلطة بالمئات

عناصر قوات مساعدة ميدانيين

وكل هذا لا يُنتج سوى العجز والتسيب و”المسرحيات الظرفية” كلما اشتكى المواطن أو وصلت لجنة من الرباط؟

عامل الإقليم، الذي يُفترض أن يكون الدينامو المحرّك لهذا الجهاز، عليه أن يدرك أن ما يجري اليوم يُسحب من رصيده ومن معنى وجوده في هذا المنصب.

فنحن لا نشكّ لحظة في أن الثقة الملكية فيه جاءت بناء على كفاءته وتجربته، لكن ما يقع في سلا من تدهور يُسيء لصورة السلطة نفسها، ويُهين المواطن، ويعكس فشلًا جماعيًا في أداء المهام.

فما نفع أن يُحاط العامل بطاقم كبير من المسؤولين، إذا كانت الأزقة محتلة، والنظافة غائبة، والبناء العشوائي يزدهر، والشارع العام تحكمه الفوضى؟
ما نفع الباشا، إن لم يُفرض احترام القانون؟
ما نفع القائد، إن لم يخرج للميدان؟
ما نفع المقدم والشيخ، إن كانا يكتبان تقارير تُجمّل الكارثة؟
ما نفع القوات المساعدة، إن لم تردع التسيب، وتفرض النظام؟

نقولها بوضوح، وباحترام يليق بالمقام:
يا سيادة العامل، أنت من حضيت بثقة جلالة الملك، لا لتكون رئيس مكاتب، بل لتكون خادمًا ميدانيًا لمدينة عريقة تُناديكم.

وإن لم تتحركوا بسرعة، وتعيدوا ترتيب البيت الداخلي، فأنتم تتركون الناس فريسة للفساد، وتُسيئون لثقة ملك، ولانتظارات شعب.

سلا ليست بحاجة إلى مزيد من المذكرات الإدارية، بل إلى إرادة، وجرأة، وقرارات حازمة.
والمواطن السلاوي لا يطلب المستحيل، بل فقط أن يرى أثر الدولة، لا ديكور إداري بلا روح. رجال سلطة سلا… رفاهية على حساب شعب يُجلد مرتين

في سلا، رجال سلطة لا تحكم، بل تتقن فن الاختفاء.
يستيقظ المواطن كل صباح على مشهد مألوف: فوضى، احتلال الأرصفة، عربات فوضوية، رعب ليلي، وأحياء يتحكم فيها الصمت، ليس صمت الأمن… بل صمت التواطؤ.

لكن دعونا نفتح الحساب:

سكن مجاني مفروش بالكامل في مناطق راقية، بينما سكان العيايدة وسيدي موسى والقرية وحي الإنبعاث يختنقون في السكن العشوائي.

سيارات رباعية الدفع تحت تصرف القائد والباشا، تمشي أكثر في المهام “الخاصة” من المهام الإدارية.

مقدمون، شيوخ، عناصر قوات مساعدة مجندون، لكن ليس لحماية المواطن، بل لتزيين الصورة وخلق وهم “التحرك”.

تعويضات مالية شهرية، وأخرى عن التنقل، وعن الأعياد، وعن المهام، وعن الاجتماعات… رغم أن الميدان فارغ.

مكاتب مكيفة، تجهيزات حديثة، هواتف نقالة ممولة من الدولة، وفوقها امتيازات غير معلنة.

وكل هذا من ميزانية الدولة.
من ضرائب المواطن الذي لا يجد مدرسة محترمة لابنه، ولا مستوصف فيه دواء، ولا حيًّا نظيفًا.

أين مقابل هذه المصاريف؟
أين الشوارع المنظمة؟ أين تحرير الملك العمومي؟ أين ضبط البناء العشوائي؟
أين إنقاذ المدينة من قبضة “بلطجية الانتخابات” و”تجار الرخص السوداء”؟
أين صرامة القائد؟ أين جولات الباشا؟ أم أنكم فقط تتحركون عندما تأتي لجان مركزية، أو حين تشتد الصيحات في الفيسبوك؟

نحن أمام جهاز إداري يكلّف الملايين، ويمنح البلاد صفر نتيجة.
نحن أمام طبقة مخزنية لا تحكم، ولا تتحرك، ولا تخجل من التستر على العبث.

رجال سلطة من المفترض أن يحملوا على أكتافهم مدينة، يكتفون بتسيير ملفات إدارية باردة، وينسون أن دورهم الحقيقي هو فرض القانون، حماية الشارع، وتنظيف المدينة من الفساد قبل الأزبال.

والغريب؟
حين يُنتقدون، يصورون فيديوهات رديئة، كأنهم في مسرحية: قائد يصرخ، مقدم يلوّح بيده، وكاميرا تصور خمس دقائق، ثم يعود كل شيء إلى مكانه، وكأن شيئًا لم يكن.

كفى عبثًا.

إذا كنتم غير قادرين على أداء مهامكم، فاستقيلوا.
إذا كانت السلطة ترهبكم، فالتحقوا بالإدارة.
وإذا كنتم تنتظرون فقط الراتب والسيارة، فأنتم عبء على الوطن والمواطن.

سلا لا تحتاج إلى موظفين بلباس أنيق، تحتاج إلى رجال حقيقيين…
رجال يعيدون للسلطة هيبتها، وللمواطن كرامته، وللمجتمع ثقته في الدولة.