عبر الحوض الجديد لبناء السفن في ميناء الدار البيضاء؛ بات المغرب يعمّم تجربة “طنجة المتوسط”.. نحو سيادة بحرية وصناعية بصيغة وطنية.
ويأتي هذا التعميم في خطوة تعكس تحوّلا عميقا في العقيدة الاقتصادية للدولة، وانتقالها من منطق المشاريع الرمزية إلى مشاريع موجهة بالجدوى والسيادة.
ويسير المغرب بخطى متسارعة نحو تعميم النموذج الناجح لميناء طنجة المتوسط على قطاعات استراتيجية جديدة، من أبرزها قطاع بناء السفن وصيانتها،
الحوض الجديد لبناء السفن في ميناء الدار البيضاء.. خطوة نحو سيادة بحرية وصناعية بصيغة وطنية
وبعد أكثر من 15 سنة على إطلاق مشروع ميناء طنجة المتوسط، الذي تحوّل من ورش طموح إلى المنصة البحرية واللوجستيكية الأنجح في إفريقيا، باتت المملكة تضع هذا النموذج في صلب رؤيتها لتحديث بنيتها البحرية وتحقيق استقلالها في سلاسل التوريد والصيانة.
ويُعد مشروع الحوض الجديد لبناء السفن في ميناء الدار البيضاء، والذي أعلنت عنه الوكالة الوطنية للموانئ من خلال طلب عروض دولي، امتدادا عمليا لفلسفة “طنجة المتوسط”.
ويُرتقب أن تصل كلفة المشروع إلى ثلاثة ملايير درهم، مع عقد استغلال يمتد على مدى ثلاثين عاما، ما يجعله أكبر ورش من نوعه في القارة.
طنجة المتوسط.. من منصة لوجستيكية إلى مصدر إلهام استراتيجي
لم يكن نجاح ميناء طنجة المتوسط وليد الصدفة، وإنما هو ثمرة هندسة مؤسساتية دقيقة لمفهوم “الاستثمار السيادي”.
ولم يصمم الميناء كمرفق عابر، بل كمجموعة متكاملة تشمل ميناءً تجاريا ومنطقة صناعية حرة وشبكة طرق وسكك حديدية متطورة، ما جعله وجهة مفضلة لكبريات الشركات العالمية، من أوروبا إلى آسيا.
وأرسى هذا النجاح نموذجا جديدا للاستثمار العمومي المغربي، الذي يقوم على التوجيه الاستراتيجي طويل الأمد، بعيدا عن الحسابات التقنية أو الجغرافية الضيقة، وهو ما انعكس اليوم على مشروع الدار البيضاء الجديد.
الحوض الجديد لبناء السفن في ميناء الدار البيضاء.. استقلالية بحرية واستقطاب إفريقي
ويهدف الحوض الجديد إلى تقليص اعتماد المغرب على الأحواض الأوروبية، خصوصاً في ما يتعلق بصيانة السفن العسكرية والتجارية، ومن شأن ذلك أن يخفف العبء عن خزينة الدولة بالعملة الصعبة.
ويُنتظر أن يستقطب المشروع السفن الإفريقية العابرة للمحيط الأطلسي والمتجهة نحو أوروبا، وسيحول بذلك المملكة إلى محطة صيانة استراتيجية في شمال إفريقيا.
ويكمل هذا المشروع ما تحقق في الشمال، حيث تُركّز طنجة على عبور الحاويات والصناعات الموجهة للتصدير، بينما تتخصص الدار البيضاء في التصنيع البحري، ما يعزز التكامل الجهوي ويمنع التمركز التنموي في منطقة واحدة.
من الشمال إلى الجنوب.. المغرب يعيد هندسة موقعه البحري
ولم يعد ميناء طنجة المتوسط مجرد قصة نجاح محلية، بل أصبح نموذجا قابلا للتصدير داخليا، من الدار البيضاء إلى أكادير.
ويعيد المغرب هندسة موقعه على الخريطة البحرية الدولية، ليس كبلد عبور، بل كدولة تصنع السفن، وتُصلحها، وتوجّه حركة التجارة في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
وتؤكد التجربة المغربية أن الاستثمار في السيادة لا يكون بالخطابات، بل بالبنى التحتية الذكية والمشاريع المتكاملة، وهو ما يتجسد اليوم في الانتقال من ميناء طنجة إلى حوض الدار البيضاء.
ذات صلة:
إشارات المنع تشل حركة الشاحنات بميناء الدار البيضاء
شاحنة مشبوهة هربت من الميناء المتوسطي فتم ضبطها في ميناء الدار البيضاء
Discussion about this post