بينما يقضي المسؤولون في الإدارة المحلية بمدينة طنجة، أوقات ممتعة في فترة الاستراحة الصيفية، فإن أبناء وطنهم من أفراد الجالية المغربية المقيمة في الخارج، والذين يوصي دوما بهم جلالة الملك محمد السادس، في عدة مناسبات يلقي خطابا ساميا إلى شعبه، يقضون أوقاتا سيئة وفترات عصيبة بالتزامن مع إجازتهم الصيفية، وذلك بسبب عدم فعالية الإجراءات الإدارية ضد المشتكى بهم في قضايا منازعات عقارية أو ما شابه من تظلمات.
إنها حالة رهيبة من التناقضات، يقول أحد المتضررين الذين قصدوا مقر صحيفة إيكوبريس يوم الأربعاء 13 غشت، من أجل بث شكواه لوسائل الإعلام، عسى أن يصل أصداء صوته للجهات العُليا وتعرف حقيقة التلاعبات التي تؤدي في نهاية المطاف بعدم اتخاذ الإدارة لما يجب القيام به، وتمكين المتضررين من حقوقهم وإنصاف الضحايا في وقت وجيز، دون مماطلة ولا تسويف، كما يجري مع مجموعة من أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج، والذين تحولت فترات قضاء إجازة فصل الصيف إلى كابوس بالنسبة إليهم.
يتعلق الأمر بضحايا شركات عقارية معروفة، أبرمت عقود البيع مع الناس ومن بينهم أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج الذين يجلبون العملة الصعبة للدولة المغربية، لكن تلك الشركات أو المنعشين العقاريين، يتنصلون من التزاماتهم ويتهربون من الوفاء بمقتضيات الوعود الموقعة في وثائق بينهم وبين زبناءهم، من بينها آجل التسليم وهو ما يلحق بالمتضررين خسائر مادية ومعنوية ونفسية.
مشروع عقاري في مالاباطا يتأخر في التسليم
يبدو أن تصيد المهاجرين المغاربة بالخارج وإيقاعهم في فخ “الجرجرة” و “الـتمرميد”، أصبح نهجا سائدا لدى بعض الشركات العقارية في طنجة، وذلك بسبب مناخ الإفلات من المحاسبة وبطئ إجراءات التقاضي، وصعوبة تنفيد الأحكام القضائية، والتماطل في التجاوب مع الشكايات بما فيها الموجهة للسيد والي الجهة، وهذه الوسيلة تُستغل ك “ثغرة قانونية” تجعل من السهل التلاعب بأعصاب الزبناء بهدف دفعهم إلى التنازل عن الرسم العقاري طواعية، وهذا ما تريده تلك الشركات العقارية حتى تتمكن من إعادة بيعها بأثمان مضاعفة 3 مرات بدافع الطمع المفرط، وذلك بعدما كانت استثمرت الأموال المدفوعة من الزبناء في انطلاق ورش بناء المجمع السكني.
يظهر أن تصيد المهاجرين المغاربة بالخارج وإيقاعهم في فخ “الجرجرة” و “الـتمرميد”، أصبح نهجا سائدا لدى بعض الشركات
هذا ما حصل بالضبط، مع زبناء مشروع في منطقة مالاباطا طريق السانية والذي يمتلكه منعش عقاري “نافذ” لا أحد يستطيع مساءلته، بحسب المتضررين الذين قدم ثلاثة منهم شهادات شفهية لصحيفة “إيكو بريس” مشفوعة بوثائق الإثبات لتعرضهم للتماطل في تسليم شققهم السكنية، رغم انتهاء أشغال البناء منذ سنوات، وبعد تأخرها عدة سنوات عن أجل موعد التسليم الذي كان محددا في وثائق البيع.
بحسب الوثائق التي حصلت عليا صحيفة “إيكو بريس” فإن جماعة طنجة، سلمت رسميا لشركة STE EZ INVEST، المملوكة لأحد المنعشين العقاريين الكبار النافذين. إذ يتضح كما هو مُبين أنه بتاريخ 22 ماي 2020، سلم عمدة المدينة آنذاك، شهادة “رخصة السكن” في القرار رقم 2020PHV35، وهذا دليل كاف على أن أشغال الإنجاز انتهت كاملا، ويجب طبقا للقانون تسليم الشقق لأصحابها الذين أتموا أداء المبالغ المالية كاملة على الفور ودون مماطلة؛ لكن ماذا حصل ؟؟
يقول أحد المتضررين، وهو مهاجر مغربي من بلجيكا، “كان صاحب المشروع متفقا معنا أن تنتهي الأشغال سنة 2018 ، لكن تأخر عامين ومع ذلك قلنا لابأس، لكن منذ شهر ماي 2020 تاريخ تسليم شهادة PIRMIS D’HABITE، ونحن نتعرض للمماطلة والتسويف كل عطلة فصل الصيف؛ ثم يواصل شكواه متذمرا؛ “عوض أن نعود لبلدنا المغرب ونستمتع بأوقات هادئة مع أبناءنا، نعود كما لو أننا سنأتي إلى «معركة تحرير» من أجل انتزاع حقنا، لكن ليس لدينا نصير لا المحكمة ولا سلطات الولاية”، ثم يردف متحدثا وهو يمسح عرقا شديدا متصببا من جبينه “هل هكذا يكون استقبال الجالية المقيمة في الخارج في بلدها ؟؟.
وثيقة شهادة بيرمي دابيطي والرسم العقاري لا يزال في ملكية الشركة العقارية لإحدى الشقق التي اشتراها أحد أفراد الجالية
ويوضح المتضرر الذي حجز شقة من الشركة العقارية مالكة المشروع في مالاباطا، سنة 2015 في البدايات الأولى لأشغال بناء العمارات السكنية، تم الاتفاق على ثمن البيع بـ مليون وألف درهم للمتر المربع، أي 11 ألف درهم، (كما هو موضح في صورة أحد عقود البيع )، وذلك نظير قيمة ثمن بيع شقق سكنية تتراوح مساحتها ما بين 117 و 130 متر مربع، ثم يؤكد المتحدث وهو يشهر وثائق ثبوتية أقواله أنه “سددت المبلغ الإجمالي للشقة عبر 4 دفعات متفرقة، وبعد معركة طويلة تسلمت من الشركة مفتاح الدار دون إبرام وثيقة البيع لدى الموثق، ودون تمكيني من الرسم العقاري”.
وزاد المهاجر الذي بدا حانقا ومُحبطا جدا مما آل إليه الوضع الإداري في بلده، رغم الخطابات الملكية التي تزرع في نفوس الجالية بذور الأمل، زاد قائلا؛ “لماذا بعد كل هذه السنوات من النضال والتعب لا أحصل على حقوقي كاملة رغم أنني أتوفر على كل الوثائق والمستندات القانونية التي تضمن ذلك وتكفل حقي ؟ ثم يمضي متسائلا “هل من الضروري أن تكون لديك المعرفة ؟ وهل من الضروري أن تحرك الهواتف مع المعارف لكي تحصل على حقك ؟ ولماذا لا يتم تنفيذ القانون أو يتم التباطؤ الغير المفهوم في تطبيقه ؟؟
إساءة كبيرة للسوق العقارية وضرب مصداقية الخطابات
مهاجر مغربي آخر من ضحايا نفس الشركة العقارية الكائنة في مالاباطا، قال إنه من أفراد الجالية المقيمة بهولندا، وقد أقدم على شراء شقة سكنية سنة 2016 وأدى قيمة ثمن البيع كاملا منذ 7 سنوات تقريبا، لكن إلى غاية اليوم لم يتسلم لا مفتاح الشقة ولا الرسم العقاري إلى غاية كتابة هذه السطور، بل الأخطر من ذلك، بحسب قول الرجل البالغ من العمر 66 عاما، بأنه تفاجئ بوجود شخصين آخرين يتنازعان مع المنعش العقاري على نفس الشقة السكنية، حيث تم بيع شقته التي حجزها لزبناء آخرين.
عقد وعد البيع يظهر من خلاله ثمن البيع المتفق عليه بين الشركة العقارية وبين أحد الزبناء الذين تأخروا في تسلم الشقة
أكثر من هذا، يضيف المتحدث الذي سرد جملة من الوقائع التي تدل على الاستفزاز والابتزاز، “رفضت الشركة العقارية تشغيل مصعد العمارات، وحرمت الساكنة من استغلال مرآب السيارات تحت أرضي، وتركت سلالم العمارات عُرضة الإهمال وعدم تنظيفها من الغبار ونسج العنكبوت، (كما هو موضح في الصور المرفقة) رغم علمها المسبق بموعد عودة الجالية المغربية في بداية فصل الصيف، ومع ذلك، يتم التعامل معنا بهذا الإنكار حتى نقدم لهم تنازلا على طبق من ذهب، من أجل إعادة بيع الشقق السكنية التي ارتفع ثمنها في ذلك الموقع، وهذا يعد نصبا واحتيالا علينا ولن نقبل به”.
وأضاف المتضرر الذي رفع أكف الضراعة إلى السميع المجيب أن ينتقم ممن ظلموه وهو يبث شكواه عبر صحيفة إيكوبريس الإلكترونية، بأنه حين يتوجه إلى مكتب البيع لا يجد هناك المنعش العقاري، مشيرا إلى أنه يختبئ من الضحايا حتى لا يواجههم، وفي المقابل نطرق أبواب الإدارات بمختلف درجات سلطتها لكن مع الأسف الشديد، لم يتجاوب معنا أي مسؤول، كما لم يتخذوا أي إجراء مع مُسير الشركة العقارية الذي يعيش حياته بشكل طبيعي رغم التماطل الغير المبرر في تسليم الأملاك لأصحابها.
وتسائل المهاجر المغربي المقيم في أوروبا في ختام كلامه؛ كيف سيثق أبناء الجالية المغربية في السوق العقارية بمدينة طنجة مستقبلا ؟ قبل أن يستدرك مُعلقا “ليس من طبعي التشاؤم ولكن بسبب هاته التجارب السيئة التي وقعت معنا أكاد أجزم أن من يشتري عقارات في طنجة مستقبلا، سيفعل ذلك من أجل تبييض أمواله فحسب، لأن من يريد الرجوع للوطن والاستثمار يجد عوائق وصعوبات لا يُمكن تصديقها”.
وتابع المشتكي موجها رسالته للمسؤولين؛ “كيف ستقنعون الجالية باليوم الوطني للمهاجر وحينما يقع في مأزق عويص لا يتم إنصافه ؟ وأين مصداقية الإدارة المغربية إذا كانت عاجزة حتى عن تنفيذ أحكام قضائية لا لسبب سوى أن بعض الأشخاص لديهم نفوذ ؟؟ ثم ختم قوله بنبرة لا تخلو من تذمر شديد “كلشي مشري فبلاد” فاين ما مشينا كا يسمعو بأن المشروع ديال فلان ماكا يقدروشي يتحركوا ضد المعني بأي إجراء هذا غريب !!
وسبق لبعض المتضررين أن لجأوا إلى القضاء، وفي أحد الدعاوى أصدرت المحكمة قرارا يلزم البائع بنقل ملكية العقار المبيع للمُشتري، لأن ذلك يدخل في صميم التزامه بنقل الملكية والقيام بكل الإجراءات الكفيلة، طبقا لمقتضيات الفصلين 230 و 487 من قانون الالتزامات والعقود، فضلا عن كون العقد شريعة المتعاقدين، وكل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية طبقا للفصلين 230 و 231 من القانون نفسه، واعتبار عقد البيع بمثابة عقد بيع نهائي مع الإذن للسيد محافظ الأملاك العقارية بطنجة بتسجيل المبيع موضوع الدعوى، وتحميل المدعى عليها (الشركة العقارية) صائر الدعوى.
قرار المحكمة الصادر ضد الركة العقارية
واقع مريض وحلول شبه غائبة
بعيدا عن مجموعة من المهاجرين الذين اشتروا بقعا منذ سنوات ولا زالو ينتظرون إطلاق تراخيص البناء، هناك في المقابل، أفراد من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، فضلوا شراء الشقق الجاهزة في المشاريع الكبرى التي ترخص لها الإدارة المحلية في طنجة بكل سهولة (الولاية الجماعة والوكالة الحضرية)، لكن مع ذلك، فإن هذا الاختيار أيضا لم يكن آمنا ولا سليما من الجرجرة والتبهديل لدرجة الحط من الكرامة، وذلك منذ سنوات دونما إنصاف، مما يضطرهم للخضوع لمساومات الوسطاء والسماسرة الذين يحلبون منهم مبالغ مالية إضافية مقابل وعود كاذبة، فإن رد فعل المسؤولين الحكوميين في طنجة الذي يبدو عصيا على التفسير، هو “عجز” أم “لامبالاة”، إلا أنه مهما يكن من سبب فإنه يكرس واقعا مريضا للغاية، يتناقض مع مقتضيات الدستور الذي ينص على أن المغاربة سواسية مع القانون، وكذا يتناقض مع مقتضيات الخطاب الملكي الذي طالما يوصي خيرا بأبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
وليس المنعش العقاري صاحب مشروع مالاباطا، الوحيد الذي نهج هذا الشكل من المماطلة والتسويف مع أفراد الجالية المقيمة بالخارج، إنما هناك مشاريع أخرى متعثرة في التسليم لأسباب مشابهة، كما هو الحال في عمارة متكونة من 17 طابقا في كورنيش مالاباطا قرب محطة القطار، وهناك مشروع عقاري متعثر في طريق أصيلة، وفي منطقة بوبانة، وهناك مشروع عقاري في طريق القصر الصغير أيضا متعثر في التسليم كان يملكه نائب برلماني سابق، وقد تظاهر ضحاياه يوم 10 غشت الجاري أمام مقر ولاية طنجة بالتزامن مع احتفالات اليوم الوطني للجالية، مما يؤكد أن بعض الشركات العقارية نجح أصحابها في استغلال “ثغرات عدم تطبيق القانون والإفلات من المحاسبة” ما جعلهم يشعرون بالأمان من أي عقاب أو مساءلة إزاء عدم الوفاء بالتزاماتهم الموثقة بالعقود القانونية.
Discussion about this post