وسط تفشي ظاهرة “النوار” والمضاربة في السوق العقارية.. الحكومة تقر بغلاء أسعار العقار بالمغرب
أقر أديب بنبراهيم، كاتب الدولة لدى وزارة التعمير والإسكان وسياسة المدينة، بغلاء أسعار العقار في المغرب. وأكد في المقابل أن الحكومة تواصل جهودها للتخفيف من العبء عبر برنامج دعم السكن، الذي وصفه بـ”الناجح”،على حد قوله.
اعتراف صادم للسلطة التنفيذية
وخلال جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، أمس الإثنين، تطرق بنبراهيم إلى إحدى الإشكاليات التي تؤرق السوق العقارية. ويتعلق الأمر بـظاهرة “النوار” (التملص الضريبي)، مشيرا إلى أنها في “تراجع” وذلك بفضل مجهودات قطاعات حكومية عدة.
وخلف هذا التصريح الذي يغالط الحقيقة استغرابا شديدا وسط المستهلكين والمهتمين بسوق العقارات في المغرب، ذلك أن الواقع يعكس استمرار هذه الممارسة بشكل واسع. وذلك وسط تساؤلات حول نجاعة المراقبة والمحاسبة.
في هذا الصدد، قال مصدر بنكي مطلع، إن عددا من الشركات العقارية في طنجة، تذبح المواطن من الوريد إلى الوريد بالزيادات الغير القانونية، رغم أن بعض المشاريع تندرج في إطار دعم الدولة، ومستفيدة من تحفيزات ضريبية، ومع ذلك تفرض مبلغ مضاعف لثمن الشقة المصرح به في وثيقة بيع الشقة، وذلك أمام آذان ومسامع السلطات المختصة.
طنجة: %100 تمرر في “النوار“
ورغم تصريحات المسؤول الحكومي، الذي يمتلك حقيبة “شكلية” تم تفويتها في إطار الترضيات الحزبية وليس لها أي سلطة قرار، فإن الشهادات المتواترة للزبناء والممارسات التجارية الشائعة، تؤكد تفشي أشكال من البيوع مشوبة بعيوب قانونية.
ولس هذا فحسب، يوضح إطار بنكي في حديث مع جريدة “إيكوبريس” الإلكترونية، بأن هناك شركات تتفاهم منذ قبل بداية بناء المشروع مع المضاربين الذين يشترون أحسن الشقق، وأحسنها في المساحة والتصميم الداخلي والإطلالة، وحين يذهب الزبون لمكتب البيع يتفاجئ بأن غلبية الشقق موضوعة للبيع للمرة الثانية مقابل أسعار مضاعفة، عن طريق ما يسمى بـ “التنازل”.
وهكذا تحولت المضاربة المضرة بالمواطن سلوكا شائعا في السوق العقارية بقوة. حيث تبين الوقائع والشهادات أن المضاربة تسهم بشكل مباشر في رفع الأسعار، بل إنها عامل رئيسي في ذلك، الأمر الذي ينهك القدرة الشرائية للزبون، أو يحكم عليه بالمؤبد “رهينة” لدى البنوك.
إدارة الضرائب شبه “نائمة”
وفي مدينة طنجة، وتحديدا قرب المحطة الطرقية، تشير شهادات مواطنين إلى أن أحد المنعشين العقاريين القادم من مدينة مكناس، والمدعوم من أحد السياسيين البارزين بمدينة فاس، والذي جاء لعاصمة البوغاز مستثمرا في العقار، أنه، يصرّح في عقود البيع الموجهة للزبناء بثمن يتراوح بين 25 و30 مليون سنتيم. في حين أن الثمن الغير المعلن عنه للوحدة السكنية يتراواح ما بين 55 و65 مليون سنتيم.
ويمرر الفارق، الذي يتجاوز 30 مليون سنتيم، بحسب شهادات حية توصلت بها جريدة “إيكو بريس” الإلكترونية، خارج العقود الرسمية، وذلك دون أن تتمكن مصالح إذارة الضرائب الجهوية في طنجة من تتبع هذه الممارسات أو ملاحقة المتورطين، رغم العدد الهائل لضحايا هاته الممارسات الشائعة، فيما يبدو أنها مصالحها المختصة “نائمة” أو عاجزة عند التفاعل مع اختصاصاتها الحصرية المضرة بالمنافسة والقدرة الشرائية.
نفس الضرر اشتكى منه زباء مشروع نور في منطقة العوامة بطنجة، حيث تباع الشقق في الورق بثمن 250 ألف درهم، وفي الواقع ما بين 450 أللف درهم، أو يزيد حسب الفترة الزمنية، وحسب موقع الشقة داخل المجمع السكني.
تفشي غير محدود
وفي سياق متصل، أكد مصدر مهني مطلع تحدث إلى مراسل جريدة إيكو بريس في الدار البيضاء، أن تفشي ظاهرة “النوار في السوق العقارية بطنجة، عرف تطورا “خطيرا” في ظرف 5 سنوات، حيث انتقال من 30 في المائة سنة 2019، إلى أكثر من 120 في المائة، سنة 2025. ووصف الوضع بأن “شرح الواضحات من المفضحات”.
ودعا المصدر إلى طرح أسئلة مباشرة على المقاولين الكبار في عاصمة البوغاز وعلى رأسها: “لماذا لا يتم البيع بالثمن المصرح به؟ أو على الأقل بزيادة لا تتعدى 20 بالمائة من الثمن الإجمالي ؟؟ وهل فعلا أسعار المواد الأولية ومواد البناء تبرر هذا الفارق الشاسع؟”.
وزاد المتحدث قوله مستغربا، أنه في الوقت الذي دخلت شركات من مدن أخرى إلى طنجة، اعتقد الجميع أن السوق سيعرف تنافسية في العرض والأثمنة، فإذا بالأسعار الغير مصرح بها تقفز قفزة صاروخية، فيما تبدو المديرية الجهوية للضرائب كما أنها لا تعلم بالوضع !!
جودة متفاوتة وأسعار مرتفعة
أشار المصدر المهني إلى أن مشاريع كثيرة، وعلى رأسها مشاريع مجموعة الضحى التي تُعرض بثمن 25 مليون سنتيم، تعاني من جودة متدنية جدا. وذلك رغم أنها تُصنّف ضمن السكن الاقتصادي. وهو ما يطرح تساؤلات حقيقية حول نوع السكن الذي يُراد تقديمه للمواطنين في ظل ارتفاع الأسعار، وضعف الجودة، وضيق المساحات.
وأكد أن هناك شركات عقارية معدودة ومقاولين معروفين يبيعون بتصريح كامل تقريبا، وهناك صنف ثان يضيف ما بين 20 و 40 في المائة ويشرح ذلك للزبون بأن “فارق المبلغ الغير المصرح به”، مقابل تحسينات وتشطيبات إضافية، لكن الغالبية تمص دماء الزبناء بشكل مفرط ورهيب.
كما أشار إلى أن هناك شركات كبرى مدعومة مشاريعها من الدولة، بدأت تفرض المبالغ الإضافية على الزبناء، لافتا في هذا الصدد إلى مشروع “فال فلوري” التابع أصبح هو الآخر يعتمد على “النوار”. وذلك رغم تصريحات الشركة باتباعها سياسة الشفافية.
أزمة مركّبة وحلول غائبة
ويؤكد مهتمون بالشأن العقاري أن هذا الواقع يُسهم في تعميق أزمة السكن. فيواجه المواطنون، خصوصا من الطبقة المتوسطة والشباب، صعوبات متزايدة في الولوج إلى السكن اللائق. وذلك في ظل ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، وغياب رقابة صارمة على التلاعبات.
وحتى مع اعتماد الحكومة دعما مباشرا للأسر من أجل تحسين الولوج للسكن، قامت بعض الشركات، مثل الضحى في مشروعها في اكزناية بتغيير “اللافتة” وزيادة في المبلغ بجرة قلم، ليبقى المستهلكون الحلقة الأضعف في المعادلة.
وفي الوقت الذي تحاول الحكومة دعم السكن وتقليص الفجوة بين العرض والطلب، يبدو أن الحلول الهيكلية لمكافحة الفساد الضريبي والاحتكار تبقى شرطا أساسيا لتحقيق العدالة في السوق العقارية.
ذات صلة:
صحيفة بلجيكية: المغرب يجذب أنظار المستثمرين الدوليين في قطاع العقار
Discussion about this post