نتائج الإحصاء 2024 تدق ناقوس الخطر بسبب البطالة والخصوبة والعدالة المجالية
تسائل النتائج التي أفرزها الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024 العدالة المجالية بجهة طنجة تطوان الحسيمة مساءلة شديدة، بقدر ما تدق ناقوس الخطر بشأن ارتفاع معدل البطالة في صفوف ساكنتها، و انخفاض مفاجئ في معدل الخصوبة يرخي بظلاله على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
مظاهر غياب العدالة المجالية
سجلت عدة مدن واقعة بجهة طنجة تطوان الحسيمة تراجعا ملحوظا في عدد السكان، حسب نتائج إحصاء 2024، جراء موجات الهجرة الداخلية والخارجية بحثا عن ظروف عيش أفضل.
وقد انخفض عدد السكان في أكثر من مدينة بالجهة الشمالية للمغرب، وعلى رأسها الحسيمة، وتطوان، وشفشاون، والقصر الكبير، ووزان، بسبب هجرة ساكنتها صوب المدن الاقتصادية بالبلاد على وجه التحديد، ابتغاء تجويد ظروف العيش.
وتعاني هذه المدن هشاشة اقتصادية تتصل بافتقارها الشديد إلى المشاريع الصناعية والاقتصادية، ومحدودية رواجها الاقتصادي الذي لا يمتد في الزمن، وهو ما يحرم الساكنة فرصَ شغل قارةً، ولا يلبي احتياجاتهم.
ويعكس هذا المعطى غياب العدالة المجالية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، إذ تتركز جل المشاريع في مدينة طنجة بما يجعلها قبلة مفضلة لسكان مدن هذه الجهة التي لم تهبَّ عليها رياح للتنمية الاقتصادية بعدُ.
من أجل عدالة مجالية
يشدد نور الدين مضيان، القيادي الاستقلالي البارز، في حديث إلى مجلة إيكوبريس، على ضرورة التوزيع الجهوي العادل والمنصف للاستثمار، استنادا إلى نهج تقارب انتقائي يشمل جميع الهيئات والمتدخلين في القطاعين العام والخاص بجهة الشمال.
وينبه نور الدين مضيان إلى ضرورة مواكبة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين المحليين، محذرا من تبعات غياب العدالة المجالية في الاستثمار بالمغرب.
ويوضح مضيان أن تركيا التجأت إلى دعم الاستثمار في القرى اعتمادا على تمتيع المستثمرين بمجموعة من التحفيزات، وعلى رأسها تفويت الأراضي، والإعفاء من الضرائب، بما أدى إلى تحويل عدد من القرى مناطق صناعية.
كما ينادي بتحفيز الدولة الاستثمارات في المدن والقرى بالجهة الشمالية المهمشة تحقيقا للعدالة المجالية، واصفا الاستثمار ب”الجبان” في ظل غياب التشجيع والدعم، كونه خاضعا إلى هاجس الخسارة دائما.
الإحصاء يحذر من البطالة
تدق إفرازات الإحصاء الأخير ناقوس الخطر بشأن ارتفاع نسبة البطالة في جهة طنجة تطوان الحسيمة، ذلك أنها بلغت 19.6%، في الوقت الذي وصلت نسبة 14.9%، وفق ما جاءت به نتائج إحصاء 2014.
وعرفت أغلب مدن الجهة زيادة في نسبة البطالة، إذ انتقلت نسبتها في طنجة من 11%، وفق إحصاء عام 2014، إلى 15.30 % حسب الإحصاء الأخير، وتنامت بشكل ملحوظ في الحسيمة ذلك أنها لامست 26.8%، بعدما توقفت عند 3.6% في إحصاء 2014.
والأمر نفسه ينطبق على مدينة شفشاون التي ازداد معدل البطالة فيها بشكل لافت مسجلا 15.5%، علما أن معدلها استقر عند 7.8%، بناء على معطيات إحصاء 2014.
وفي طنجة تزعمت مقاطعة السواني مقاطعات المدينة الأربع من حيث معدل البطالة بنحو 16.70%، متقدمة على مقاطعة امغوغة التي ناهز معدل البطالة فيها 16.50%.
وجاءت بني مكادة أكبر مقاطعات عروس الشمال، والمغرب على الإطلاق، في المركز الثالث بمعدل 14.80%، وتذيلت مقاطعة طنجة المدينة الترتيب بالمعدل نفسه تقريبا.
أرقام مخيفة حول الخصوبة
إن أكثر المسائل التي تستدعي التوقف عندها بعد التفصيل في مخرجات الإحصاء العام 2024، هي مسألة تراجع معدل الخصوبة في المغرب، وتداعياته على الهرم السكاني الذي أخذ ينقلب رأسا على عقب تحققا بانخفاض نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما، وارتفاع نسبة الشيوخ الذين تفوق سنهم 60 عاما.
ولم تسلم جهة طنجة تطوان الحسيمة من تراجع معدل الخصوبة الذي مس مختلف جهات البلاد إذ تهاوت النسبة وفق الإحصاء الأخير إلى 2.01 طفل لكل امرأة، مقابل 2.23 في إحصاء 2014.
وسجلت مختلف أقاليم الجهة الشمالية انخفاضا في معدل الخصوبة إذ بلغ في طنجة أصيلة 1.94 طفل لكل امرأة، و1.83 في تطوان، و2.3 في شفشاون، و2.05 في العرائش، و2.29 في الحسيمة، و1.96 في وزان.
وحسب نتائج إحصاء 2014، فإن معدل الخصوبة في طنجة أصيلة استقر عند 2.21 طفل لكل امرأة، ولامس 2.1 في تطوان، و2.21 في العرائش، 2.24 في الحسيمة، و2.05 في وزان.
الخصوبة قنبلة موقوتة
ترى الباحثة سميرة مزبار أن عوامل انخفاض الخصوبة بسيطة، وتقترن بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع المغربي الذي أصبح أكثر حضرية بشكل واضح، موضحة الاختلافات العميقة بين العيش في المجالين الحضري والقروي.
وأوضحت سميرة مزبار، في حديث لمجلة إيكوبريس، أن العيش في المدينة يضيق دائرة الأسرة، مثلما يقلص الإنجاب بسبب صعوبة امتلاك منزل كبير، واستحالة عيش أجيال متعددة تحت سقف واحد، بوصفه دليلا على غياب الاستقرار، خلافا للعيش في البوادي الذي يحفز على اتساع الأسرة، وامتدادها في منازل واسعة متجاورة تسكنها أجيال مختلفة، جراء الحاجة الماسة إلى الإنجاب بدافع توفير اليد العاملة في الأراضي.
واستغربت مزبار من سرعة الانخفاض المسجل على مستوى معدل الخصوبة، ووصفتها بالتغير الجذري الذي سيجعلنا أمام عائلات نووية ستصبح القاعدة في الجهة الشمالية خصوصا والمغرب عموما، لافتة النظر إلى أن هذا التغير كان من الواجب أن يتم بشكل تدريجي.
كما حذرت من تداعيات انخفاض معدل الخصوبة على العلاقة بين الآباء وأبنائهم، مبرزة أن النشأة في كنف أسرة تضم 8 إخوة تختلف إطلاقا عن الترعرع داخل أسرة بأخ واحد أو اثنين، وهذا ما يؤثر على تصور الفرد لوالديه والآخر وموقعه داخل المجتمع، على حد تعبيرها.
وقالت إن غياب رؤية متعددة من قبل الحكومات المغربية المتعاقبة عن ماهية المجتمع، وتمكين الحكومة الحالية للسياسة النيوليبرالية دون مراعاة الخصوصية الثقافية للبلاد وتقديرها، يعجلان بانتقال المغرب في غضون سنوات قليلة إلى مجتمع الأفراد عوضا عن مجتمع مترابط.
انخفاض الخصوبة والاقتصاد
“نحن نجازف وسنجد أنفسنا في موقف غاية بالخطورة، إذا لم بعمل بعمل معمق مرتبط بجودة مهارات شبابنا اليوم”، بهذه الجملة تدق سميرة مزبار ناقوس الخطر المحدق بالاقتصاد جراء انخفاض معدل الخصوبة، وهو ما يجعل جهة الشمال في قلب الخطر بوصفها تشتمل على ثاني قطب صناعي في المغرب.
وصرحت مزبار لمجلة إيكوبريس بالقول: “سوف يتطور الاقتصاد كما ينبغي، أي أنه سيتخذ مسار التحديث، تحديث الزراعة، وتحديث القطاع الصناعي، وتطوير قطاع الفنادق. وإذا افترضنا ذلك، فهذا يعني أنه سيتعين علينا الاستعانة بالعمالة من الخارج، وهنا يكمن الخطر الكبير”.
وعدَّت غض الطرف عن تكوين الشباب في المغرب مشكلة كبيرة، متسائلة عن المانع من تطوير قطاعات ومهن جديدة في المغرب أيضا على أيدينا كما هو الحال في الخارج، مشددة على ضرورة تمكينهم من التعايش مع العصر باستثمار الأنترنت الذي أصبح في متناول الجميع
ولمحت إلى وجود قوى تمنع تحديث الاقتصاد وانفتاحه، ولم تقصد الانفتاح على المستوى الدولي، وإنما الانفتاح على المغاربة حتى نتمكن على الأقل من فتح المجال في وجه الأشخاص الذين لديهم المهارات، وروح الإبداع، والابتكار، والرغبة في الاستثمار.
وأردفت قائلة: “إن تقاعس الدولة أو استثمارها الضئيل في مشاريع البنية التحتية وما إلى ذلك، سيجعل الشباب في حالة من عدم الاستقرار لأنه ليس لديهم ما يكفي من الوسائل أوليس لديهم ما يكفي من المهارات للتمركز في الاقتصاد الحديث.
Discussion about this post