في الذكرى 69 لتأسيس الأمن الوطني.. طنجة بين إشعاع المؤسسة الأمنية وتحديات التوسع الحضري
تستقبل مدينة طنجة، على غرار باقي مدن المملكة، يوم غد 16 ماي، الذكرى التاسعة والستين لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني. وهي مناسبة ذات دلالة بالغة تتجاوز طابعها الاحتفالي، لتشكل محطة لتقييم ما تحقق من إنجازات وما تواجهه المنظومة الأمنية من تحديات على المستوى المحلي.
الذكرى 69 .. سنوات من إشعاع المؤسسة الأمنية
وخلال ما يقرب من سبعة عقود، أسهم الجهاز الأمني بالمغرب في تحصين البلاد من أخطار داخلية وخارجية. واستطاع تحييد تهديدات إقليمية كانت تمس الاستقرار، ليس فقط على المستوى الوطني، بل حتى في المحيط الأوروبي والإفريقي. وذلك في ظل عالم متغير وسياقات أمنية دقيقة.
وشهد المرفق الأمني خلال العقد الأخير تطورا ملحوظا في بنيته وآلياته. واتسم بتكريس مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. وذلك سواء عبر مساطر الولوج للمهنة، أو خلال مزاولة المهام. وهو ما مكن من تحجيم مظاهر الاختلال الإداري والمالي والمخالفات المهنية.
تحديات التوسع الحضري
وعلى الرغم من هذا التطور، تبرز على السطح تحديات جمة. ولا سيما في المدن الكبرى التي عرفت نموا ديمغرافيا وعمرانيا متسارعا. وفي طليعتها مدينة طنجة، التي تجاوز عدد سكانها، حسب آخر الإحصاءات، عتبة المليون نسمة. وسجلت بذلك أعلى نسب التوسع الحضري بالمملكة.
وفرض هذا التحول العمراني غير المسبوق ضغطا ملموسا على البنية الأمنية للمدينة، التي تؤمن خدماتها بحوالي 2300 عنصر أمني فقط. وهم موزعون على مختلف التشكيلات.
وفيما يتزايد الطلب على الخدمات الأمنية، يرى عدد من المهتمين أن هذا الرقم مازال دون الحد الأدنى المطلوب لتأمين مجالات حضرية مترامية الأطراف، تمتد على أكثر من 340 كيلومترا.
أمن السير والجولان.. عوائق بشرية وتقنية
وتتجلى أبرز مظاهر هذا الخلل في قطاع السير والجولان. وتتصدر طنجة الإحصاءات الوطنية في حوادث السير داخل المجال الحضري. وذلك نتيجة التهور، والسرعة المفرطة، وتعاطي المخدرات أثناء السياقة، وعدم احترام قوانين السير.
ويكمن السبب الأعمق لحوادث السير، كما يوضح عدد من المتابعين، في النقص الحاد في عناصر شرطة المرور. فهي لا تغطي-حسبهم- حتى نصف الحاجيات الفعلية. فضلا عن قلة سيارات المراقبة بالرادار، وضعف إمكانيات قطر السيارات المخالفة. ة
وخاصة خارج المجال الترابي للمدينة كما كان قبل 2004. وذلك رغم تضاعف المساحة الجغرافية لعشر مرات.
ويشتكي المواطنون من غياب شبه تام للمراقبة الطرقية في أحياء جديدة كالعرفان، بوخالف، الزياتن، البرانص، غابة الرهراه، وأحياء مقاطعة امغوغة.. إضافة إلى بني مكادة والعوامة. ويرون أن هاتين المنطقتين تفتقران إلى شرطة المرور وتعتمدان على تدخلات فرق النجدة. وهو ما يتسبب في ضغط حاد وتفاوت في أداء الخدمات.
جماعة اكزناية.. اختناق مروري وشبه فراغ أمني
وفي سياق آخر، تشهد جماعة اكزناية الصناعية اختناقات متكررة في حركة السير. ولاسيما عند نقطة السد القضائي قرب مدارة المطار. وذلك نتيجة تأخر تسليم المهام بين الدرك الملكي والأمن الوطني.
وتنعكس هذه الازدواجية في المسؤوليات على أداء المهام الأمنية، حيث تسجل الجماعة ارتفاعا ملحوظا في معدلات الجريمة. وذلك وسط استغلال الخارجين عن القانون لهذا الفراغ المؤسساتي.
بنية أمنية متعبة وموارد بشرية تحت الضغط
ورغم تجاوز مدينة طنجة سقف “المدينة المليونية”، إلا أنها لا تتوفر سوى على 12 دائرة أمنية. وذلك مقارنة بمدينة تطوان التي تضم 11 دائرة رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 400 ألف نسمة، وهو ما يعكس حجم التفاوتات في الحوادث و الشوائب الأمنية.
وتتحمل الكوميساريات الإثنا عشر مهاما متعددة تتراوح بين المهام الإدارية، كتسليم الشواهد والاستماع للمشتكين، ومباشرة التحقيقات والنزاعات.. إلى تنفيذ الدوريات الأمنية، والتدخل في قضايا اجتماعية معقدة.
وتعاني دوائر أمنية مثل الدائرة 11 في منطقة مسنانة، التي تجاوز عدد سكانها 90 ألف نسمة، من ضغط كبير على مواردها المحدودة. وذلك رغم محاولات التخفيف من خلال وحدات متنقلة لخدمة البطاقة الوطنية.
ويؤكد محمد المرابط، فاعل جمعوي من سكان حومة خنق الرمان، أن ضيق البناية وعدم ملاءمتها للحجم السكاني المتزايد يزيد من صعوبة العمل اليومي.
وذات التحديات تطال الدوائر الأمنية السادسة، والثامنة، والثالثة في إدرادب. وهو ما يؤدي إلى بطء في تقديم الخدمات، واستياء متزايد لدى المواطنين. وخصوصا في ظل احتكاكهم اليومي مع واقع أمني مثقل بالمهام وقليل في الإمكانيات اللوجستيكية والعتاد.
وتحتاج عاصمة البوغاز إلى تجديد أسطول السيارات والدراجات النارية ودراجات رباعية الدفع المخصصة لعناصر الشرطة في الشواطئ والمنتزهات الغابوية، إضافة إلى عناصر شرطة الخيالة، وذلك من أجل مواكبة الامتداد المجالي والتزايد السكاني.
نداء لتحيين الرؤية الأمنية وفق المعطيات الواقعية
وتشكل الذكرى 69 لتأسيس الأمن الوطني، فرصة سانحة ليس فقط للاحتفاء بما تحقق. وإنما للوقوف بواقعية ومسؤولية أمام التحديات المتسارعة التي تواجه المدينة.
وحسب ما يأتي في الخطابات الرسمية فإن طنجة، كمركز اقتصادي ودولي صاعد، تستحق مواكبة أمنية متكافئة مع ديناميتها.. تستند إلى تقوية الموارد البشرية، وتخفيزات لهم نظير التضحيات المقدمة، وتحسين البنية التحتية، وتحديث الوسائل التقنية، لتكريس الأمن كرافعة أساسية للتنمية المستدامة.
ذات صلة:
طنجة تستعد لإطلاق مشروع تحلية مياه البحر لتعزيز الأمن المائي بالشمال
Discussion about this post