ركود صيفي غير معتاد يضرب مدن الشمال.. والسكان يدقون ناقوس الخطر
في الوقت الذي كانت تتأهب فيه مدن الشمال لاستقبال موسم صيفي يعج بالحركة والنشاط، تفاجأ سكان وتجار هذه المدن بصيف استثنائي في سكونه، عنوانه العريض: ركود اقتصادي وسياحي غير مسبوق.
من تطوان إلى شفشاون، مرورا بالمضيق والناظور والعرائش، تعيش هذه الحواضر على وقع صدمة جماعية. وذلك بعدما غابت الوفود السياحية، وتقلصت الحركة التجارية بشكل لافت، ما أثار الكثير من التساؤلات والقلق لدى المواطنين والمراقبين.
“المدينة الزرقاء” تفقد ألقها
وفي قلب جبال الريف، حيث اعتادت مدينة شفشاون أن تكون وجهة مفضلة للمغاربة والأجانب، بدت المدينة هذا العام وكأنها فقدت نبضها. المطاعم خالية، الساحات هادئة، والمآثر التاريخية لا تعرف زوّارها. “وطاء الحمام” التي لطالما كانت مسرحا لصور السائحين وأحاديثهم، تحولت إلى ساحة موحشة، لا يعكر هدوءها سوى خطوات متفرقة لبعض العابرين.
واعتبر عدد من المواطنين والفاعلين في القطاع السياحي أن الأسعار المرتفعة ساهمت بشكل كبير في تراجع الإقبال السياحي. وأشاروا إلى أن الجودة لم تعد تواكب الغلاء، ما أفسد على الزائر متعة التجربة، ودفع العديد إلى التفكير في بدائل خارج البلاد.
فيما يرى البعض أن المدينة تحولت إلى مشروع تجاري مفتوح، تُستغل فيه كل زاوية وكل جدار. وهو ما جعل تجربة الزائر أقرب إلى سلسلة من عمليات الدفع المستمرة، حتى في الفضاءات العامة التي كانت مجانًا.
تطوان.. مدينة جاهزة لكن الزوار غائبون
ومن جهتها، تعيش تطوان هي الأخرى حالة من الجمود الاقتصادي، رغم جاهزيتها المعتادة لاستقبال الزوار. فالشوارع فارغة، المقاهي تئن تحت وطأة الركود، والتجار يشكون تراجعا مهولا في المبيعات.
وكتب أحد المواطنين على فيسبوك: “اعتدنا في مثل هذا الوقت من كل صيف أن نرى تطوان تحتضن أبناء الجالية، وتضج بالحركة واللغات المختلفة.. اليوم تطوان حزينة، تنتظر زوارا لم يأتوا بعد”.
المضيق والناظور.. نفس المشهد
وفي المضيق، المدينة التي اعتادت أن تكون عروس البحر الأبيض المتوسط خلال الصيف، كتب أحد السكان قائلا: “حنا فـ 15 يوليوز، والمدينة باقية ناعسة.. لا زحام، لا حركة، لا سياحة. شي حاجة ماشي هي هاديك!”
أما الناظور، فالوضع ليس أفضل حالا. إذ أجمعت تدوينات المواطنين على أن المدينة شبه مشلولة، وأن موسم الصيف يمر دون أثر يُذكر للجالية المغربية المقيمة بالخارج. وهي التي كانت دائما تُنعش المدينة اقتصادياً في مثل هذا الوقت من السنة.
العرائش.. خيبة أمل رغم الآمال
وفي العرائش، المدينة التاريخية الساحلية، يسود نفس الشعور بالإحباط. الركود كبير، والزوار اختاروا وجهات أخرى، في وقت كان فيه الجميع يتوقع موسما سياحيا مميزا.
وأمام هذه الوضعية، يبقى السؤال الكبير: لماذا لم تتمكن هذه المدن من الاستفادة من موسم الصيف؟
أسباب متعددة.. والطبقة الوسطى تدفع الثمن
ويرى متابعون أن هذا الركود ليس معزولا عن واقع أوسع، فالوضع الاقتصادي الصعب، وتدهور القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، لعبا دورا حاسما. الطبقة التي كانت تمثل شريان الحياة الاقتصادية أصبحت اليوم تنتمي لفئة الفقراء. وذلك بفعل تداعيات الجائحة، وتوالي موجات الغلاء والتضخم والجفاف.
من جهة أخرى، أرجع أحمد اسلداي، عضو المعارضة بمجلس جماعة شفشاون، حسب ما نقلته جريدة “صوت المغرب”، ما يحدث إلى غياب رؤية استراتيجية واضحة لتدبير الشأن السياحي. مشيرا إلى أن الطفرة السياحية التي عرفتها المدينة قبل سنوات لم يتم استثمارها بالشكل المطلوب.
وأوضح أن غياب التكوين والتسويق والتأطير، إضافة إلى ضعف البنيات التحتية الترفيهية، جعلت هذه المدن تفقد جاذبيتها شيئا فشيئا. وذلك لصالح وجهات خارجية توفر خدمات أفضل بتكاليف أقل، مثل إسبانيا والبرتغال.
دعوات لإنقاذ الوضع
وأمام هذا المشهد، يطالب عدد من الفاعلين بضرورة تدخل الدولة بشكل عاجل من أجل إنقاذ الاقتصاد المحلي، وتحفيز السياحة الداخلية من خلال تشجيع الاستثمار، وضبط الأسعار، وإعادة الاعتبار للطبقة المتوسطة باعتبارها المحرك الحقيقي للعجلة الاقتصادية.
وختاما، يبقى صيف 2025 شاهدا على منعطف حرج في مسار السياحة بالشمال. ويطرح سؤالا جوهريا: هل ستتدارك السلطات الوضع وتُطلق خطة إنقاذ فعالة؟ أم أن صيف السنوات المقبلة سيكون أكثر برودة من هذا؟
Discussion about this post