جمارك الميناء المتوسطي : الوجه الآخر الذي لا يعرفه الجميع
إيكو بريس متابعة –
خلفت واقعة تفتيش إحدى الشاحنات المشتبه فيها على مستوى الميناء المتوسطي خلال الأسبوع المنصرم، لغطا وجدلا متجددا بين جزء من المهنيين في مجال النقل الدولي واللوجستيك، حول كيفية إتمام إجراءات التفتيش وما هي التدابير المتخذة والمعايير المعمول بها من لدن المصالح المختصة.
ومما أجج اللغط المتجدد بين الفينة والأخرى وسط أرباب شركات النقل الدولي للسلع والبضائع، هو فيديو يتحدث فيه صاحب شاحنة عن قيام أعوان الجمارك في الميناء المتوسطي، الأسبوع الماضي، بإحداث 5 أثقاب صغيرة في مقطورة الشاحنة من أجل دحض الشكوك والتأكد من سلامة تجاويفها من أية مواد مهربة.
وطالب المتحدث في نفس الفيديو الذي تمت مشاركته على نطاق واسع عبر تطبيق التراسل الفوري، “واتساب”، ونشرته منابر إعلامية، بـ “إيجاد حلول مع مسؤولي الديوانة في الميناء المتوسطي”، وعبر صاحب الشاحنة عن امتعاضه من عدم قدرة جهاز سكانير من كشف الأشياء المخبأة في الشاحنات”.
وتعقيبا على هاته الواقعة قالت مصادر مسؤولة إن الميناء المتوسطي يخضع لتدبير مشترك من طرف السلطات المينائية والجمارك والأمن الوطني، والسلطة المحلية كل في دائرة اختصاصه وصلاحياته.
وبخصوص الإجراءات التفتيشية والمراقبة، فإن الاختصاص الإداري المعمول به على الصعيد الوطني تتولاه مصالح الأمن الوطني، بيد أن أصوات الاحتجاج ترتفع أكثر على إدارة الجمارك، مما يطرح أسئلة تشكيكية حول دوافع وأبعاد ذلك، هل هو نوع من الضغط أو الابتزاز ؟؟ أم شيء يقترب من ذلك ؟؟
وقالت المصادر نفسها، أن أي شاحنة مشبوهة تخضع للتفتيش في جميع موانئ العالم، والمعابر الحدودية، بنفس الكيفية، بل ربما أكثر تفكيكا، إذا تم رصد أو الاشتباه في أي عربة قد تكون محملة بشحنة ممنوعات، أو قد يظهر على الهيكل الحديدي أو الإطارات المطاطية للشاحنات مشبوهة على مستوى القاطرة والمقطورة، أية تغييرات يستخدمها المهربون عبر إحداث تجاويف وزيادة صهاريج إضافية أسفل الشاحنة.
جمارك المتوسط صمام أمان الحدود التجارية
تشكل معاملات التجارة الخارجية العابرة من الموانئ البحرية ركيزة الاقتصاد الوطني، ويستحوذ ميناء طنجة المتوسط على 85 بالمائة منها، مما يعكس العمل الجبار الذي ينتظر مديرية الجمارك في هاته المنطقة الحدودية، على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط.
ذات يوم من الشهور الأولى لبداية السنة الحالية، تلقينا دعوة من الإدارة العامة الجهوية للجمارك بالميناء المتوسطي للقيام بزيارة ميدانية، وقد ترك لنا المجال مفتوحا لاختيار توقيت مناسب، على أن نتلحق بالمكان عبر زيارة مفاجئة ففي ذلك يتحقق مرادان مهمان، الأول تحقيق منسوب عالي من المصداقية من خلال معاينة أداء الجهاز الإداري كما يزاول مهامه الإعتيادية خلال سائر الأيام، بإكراهاتها وتعقيداتها.
والمراد الثاني، هو ارتداء نظارات الحياد في وصف ما يمكن ملاحظته بعيدا عن أي تحامل، وبعيدا عن أي توجيهات مسبقة، وذلك للوصول إلى صورة أشمل من جميع الزوايا، وبالتالي محاولة التخلص من صورة نمطية لطالما تشكلت عن جهاز الجمارك.
لي بون لونطغي و بون صوغتي دفعة واحدة
خلال جولة سابقة لصحيفة “إيكو بريس” كانت قد تزامنت مع إشكالية الطوابير الطويلة للشاحنات في محيط الميناء على طريق القصر الصغير، بحثنا عن أسباب تجمع الشاحنات عند نقطة الدخول من منصة الصادرات، أو النزول في منصة الواردات، اكتشفنا أن القاسم المشترك بين السائقين الماكثين في الانتظار، مرده إلى تأخر تسليمهم وصل التحرك (Bonne d’entré) أو (Boone de Sortie)، حيث أن هاته الوثيقة ضرورية من أجل المرور إلى المحطة الموالية، أي إدارة الجمارك.
ذلك أن شبابيك تسجيل بيانات الشاحنات في النقطة الأولى من الميناء، وبعدما تتسلم وثائق بيانات الشاحنات، تجمع عددا كبيرا ثم تسلمهم تصريح الدخول أو المغادرة في آن واحد، وعندما تتحرك الشاحنات دفعة واحدة وفي نفس الوقت تزدحم الحركة في المرحلة الموالية عند الجمارك.
نقط التفتيش.. وأزمة الازدحام
في زيارتنا لم تختفي مشكلة الازدحام عند بوابة المغادرة، خصوصا في الفترة المسائية، هي منطقة حساسة جدا محسوبة على الجمارك، نظرا لتواجد أجهزة سكانير، ومصلحة المراقبة المكررة في الشبابيك، حيث تكون المحطة الأخيرة للشاحنات قبل أن تصبح بيد سلطة الميناء قاصدة وجهتها المعلومة.
بالنسبة لهاته المنطقة فأزمة الازدحام بها سببها عوامل موضوعية عويصة، فمن ناحية ثمة تصميم هندسي قائم لمساحة المكان، يصعب توسعته، لذلك تجري أشغال تهيئة منطقة أخرى للاستيراد، أما العامل الثاني فهو مرتبط بمخطط السير والجولان ذلك أن إدارة السلطة المينائية، هي الجهة المشرفة عليه، أما متابعته في الميدان فهي مكفولة لشركة كلينكو للأمن الخاص.
في خضم الفوضى يختلط الحابل بالنابل، تزدحم الشاحنات فيما بينها، ويتحكم حراس الأمن الخاص في مسار الطريق، بينما تنطلق موجة مستمرة من احتجاجات السائقين بالضغط على منبه الشاحنة كلاكسون، إنه وقت الذروة، لكن من الذي يجعله وقت ذروة ثمة أسباب متداخلة تجعل الحركة تزدحم في المساء أكثر من وقت الصباح، من بينها ثقافة السياقة لدى السائقين أو ظروف عملهم، يقطعون الطريق ليلا من جنوب البلاد إلى طنجة المتوسط، وفي الفترة الصباحية يأخذون قسطا من الراحة في القصر الصغير أو في الموقف الأول للشاحنات بعد دخولهم الميناء.
الديوانة هي السبب واش هادي هي الحقيقة ؟؟
“طايحة لي فالديوانة” عبارة تُسمع كثيرا في أوساط مهنيي النقل الدولي والتجارة الخارجية، فأحاديثهم اليومية ورسائل التواصل بينهم الشفهية، أو عبر تطبيقات التواصل الذكية، لا تخلو من هاته الجملة المكونة من ثلاث كلمات جامعة مانعة، “طايحة لي فالديوانة”، لكنها حمالة أوجه ومعناها يبطن أكثر مما يُفصح.
وحين كنا نصول ونجول بشكل غير محدد الوجهة مع بعض المسؤولين وسط موقف الشاحنات الذي يستوعب أزيد من 250 شاحنة في موقف المغادرة.. يتوجه إليه مسؤول جمركيي مخاطبا دون أن يفصح له عن صفته، السلام عليكم شنو عندك ؟ يجيب السائق الذي كان يعد طاجين الغذاء رفقة زميل له في المهنة؛ “الوراق طايحين فالديوانة” حنا ما زال كانستناو، وهذا الكلام فيما معناه ضمنيا حسب المهنيين (عراقيل من طرف مفتش الجمارك الذي يجلس في الداخل خلف حاسوب مكتبه).
حينها طلب المسؤول الجمركي، رقم هاتف المُعشر وربط به الاتصال على الفور، وتبين أن المعشر متأخر بنحو 35 دقيقة عن إخبار سائق الشاحنة بخصوص جهوزية الوثائق الجمركية.
صناع القرار في إدارة الجمارك، يؤكدون أن الإدارة العامة أخذت على عاتقها كسب رهان تقليص أجل الانتظار إلى أدى مستوى، مقارنة بباقي الإدارات المغرربية، يأخذون في عين الاعتبار مبدأ المرونة في مراقبة وزن حمولة الشاحنات وذلك في نطاق لا ينبغي أن يتجاوز المسموح به.
بنية هندسية غير مساعدة
في البحث عن أسباب وعوامل وقوع الاكتظاظ أيضا في منصتي التصدير أو الاستيراد، كشف لنا مصدر عليم، عن وجود إشكالات تقنية في التصميم الهندسي لخريطة المسارات الطرقية للشاحنات بين نقطة الدخول وقطة الوصول إلى الإركاب، أو العكس، وهي العيوب التي من المؤكد لم يتم استحضارها في التخطيط لأشغال عمليات توسعة الميناء، مشيرا إلى أن هاته الإشكالات ربما يتم استدراكها في مينائي الناظور والداخلة، ما قد يؤدي لتفادي الارتباك والاختناق المروري.
جيش كومي الذي لا يقهر !!
مع وجود استثناء في مستخدمي هاته المهنة ممن لديهم أقدمية 10 سنوات فأكثر، والذين يشار إليهم بصفة “عارفين سرفيس ديالهم”، ثمة جيش من العاملين التعشير تكوينهم في الميدان لا يعدو أن يكون إجراءات تقنية صرفة، خالية من قيم مهمة و ضمير يحث على الجدية والتفاني والالتزام بالمسؤولية والإتقان في العمل، لا من حيث ارتداء السترة المهنية أو البادج المعرف بصاحب المهمة التعشيرية والشركة التي يشتغل لفائدتها.
أما تفسير ذلك، فيرجع أساسا إلى المعشرين الحاصلين على مأذونية المهنة، والذين يوظفون اليد العاملة على أساس القرابة العائلية وعلاقات شخصية دون أخذ بعين الاعتبار مواصفات أخرى ضرورية في أي وظيفة كانت، من الخبرة والدراية والالتزام والجدية والتجاوب الفعال مع المحيط المهني.
ولعل ما يفسر جزءا من المعاناة التي يكابدها مسؤولو الجمارك في مخاطبة هاته الفئة تتركز في تعديل السلوك أساسا، من ناحية الجاهزية داخل مكان العمل، حيث تسود ظاهرة عدم ارتداء السترة المهنية والبادج، فإذا ما ضبط المسؤول ن واحدا منهم “فين جيلي ديالك ؟ فين بادج ديالك؟ يكون الجواب التلقائي ؛ ” خليتو ف طوموبيل أو عندي في ماليطا”، وإذا ما كان معه يستله من جيبه أو محفظته ويرتديه.
ارتداء لباس العمل من الإشكالات العويصة المرتبطة بذهنية الناس وسلوكهم اليومي المعتاد، فمن ألف التصرف بالارتجالية والعشواىية في حياته اليومية والمنزلية ينعكس سلوكه المطابق على شتى مناحي حياته، بما في ذلك الوسط المهني، مما يجعل منصة واحدة ذات بعد استراتيجي بالنسبة للتجارة الخارجية تشتغل بقدرات بشرية متفاوتة قد يحمل طرف ثقل أطراف أخرى متدخلة في سلسلة عمليات العبور برمتها، لكن في الأخير يظهر لدى الرأي العام محط النقد أو الاتهام بالتقصير !!
المجلس الجهوي للحسابات معجب بسياسة الجمارك
بعيدا عن تقييم مسؤولي الجمارك في منصات التصدير ولا الاستيراد بشأن وتيرة العمل وفعالية الأداء من وجهة نظرهم الإدارية، فإن ما رأيناه من كفاءة مهنية يتحلى بها مفتشو الجمارك الذين يسخرون وقتهم المهني خلف شاشات الحاسوب 24/24 و7/7 ايام في الأسبوع، لكن مع ذلك، يعتبر مسؤول بارز في الإدارة أن هذا لا يعني بالمطلق أن المنظومة مكتملة 100/100، أو ان كل الموظفين ملائكة، لذلك فإن الإدراة العامة في إطار تطبيق سياسة القيم تلحق عقوبات تأديبية بكل من يتثبت في حقه أخطاء مهنية والتي تنقسم إلى 4 درجات، تصل العقوبة حد الفصل النهائي من العمل، وهناك حالات توجه إلى القضاء الإداري للبث فيها، كما أنه في سياق تكريس الحكامة التي طالما يشدد عليها المدير العام عبد اللطيف العمراني مختلف مصالحه، تضع إدارة الجمارك بالميناء المتوسطي على عاتقها الوصول إلى توقعات منجزاتها السنوية بنسب عالية تقترب من 90 بالمائة، وهي الأرقام التي نالت إعجاب المجلس الأعلى للحسابات.
شاهد بالفيديو : المداخلة الكاملة لمسؤول في إدارة الجمارك بميناء طنجة المتوسط
إقرأ مقال مرتبط بنفس الموضوع مداخيل الجمارك تحقق 52 مليار درهم
Discussion about this post