بقلم الصحفي المغربي توفيق بوعشرين
ماذا يقع عندما يتحالف أقوى رئيس مع أغنى وأذكى رجل أعمال ؟
حتى قبل يتسلم دونالد ترامب لمفاتيح السلطة بالبيت الأبيض بداية السنة المقبلة، شرع الون ماسك رجل الأعمال العبقري والمجنون في ذات الوقت في جني ثمن مساهمته الكبيرة في تمويل الحملة الانتخابية لترامب العائد إلى السلطة بعد محاكمات ماراتونية وانقسام سياسي غير مسبوق في كل تاريخ امريكا. لقد ارتفعت ثروة إلون ماسك وقيمة شركاته في البورصة نتيجة نجاح رهانه السياسي والمالي على مرشح الحزب الجمهوري ( زادت قيمة شركة تيسلا وحدها في بورصة وول ستريت حوالي 15% مما يعني زيادة في ثروة ماسك بحوالي 15 المليار دولار ) هذه بداية فقط والقادم سيكون أضعاف هذا الرقم ….
ماسك (المجنون / العبقري ) هذا سبق ووصف ترامب في عام 2017 بانه ( رجل محتال وواحد من أفضل المخادعين في العالم ) لكن الآن صار ضيفا مرحبا به في منازل وإقامات دونالد ترامب في فلوريدا ونيويورك ويدعى باسم ( العم إيلون ) والعم هذا موعود بمركز جد حساس في إدارة ترامب ( وكالة خفض الإنفاق الحكومي ) وهو الآن أي مالك الصواريخ وتسلا و موقع X وXL ( شركة جديدة للذكاء الاصطناعي تبلغ قيمتها السوقية الآن 100 مليار دولار )صاحب كلمة مسموعة ومؤثرة في عدد من الأسماء المرشحة لوزارات حساسة في الحكومة المقبلة، كما يقول كلمته المؤثرة في السياسات العمومية والقرارات الاستراتيجية في اكبر اقتصاد على وجه الكرة الأرضية …
هذا معناه أن أقوى رجل في العالم متحالف مع أغنى رجل في العالم، وتأثيرهما واصل إلى الأركان الأربعة للأرض . إنه تحالف السلطة والمال، وإن كان هذا التحالف ليس جديدا على أمريكا فإن تأثيره ومداه أقوى اليوم من أي شكل سابق لعلاقة السلطة بالمال، لأن نفوذ الشركات الأمريكية أصبح أقوى مع مسلسل العولمة، ولأن نفوذ أمريكا العسكري والسياسي مازال قويا ومؤثرا في الحرب والسلم عبر العالم رغم بوادر لظهور أقطاب أخرى تنافس نفوذ العم سام …
تحالف أقوى رجل في السلطة وأغنى رجل في القمة يحمل مخاطر شتى : أولها الفساد وفي مقدمته جعل المال هو المحدد في اختيار من يحكم، وثانيها الاحتكار من قبل فئة اوليغارشية صغيرة على حساب الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة، فترامب الذي سيتسلم مفاتيح المكتب البيضاوي في بداية السنة المقبلة، هو نفسه رجل أعمال لديه شركات عقارية، ولديه شبكته الخاصة بالتواصل الاجتماعي Truth Social ولديه شركة للعملات المشفرة Word Liberty Financial التي سيكون منظما لها ومستثمرا فيها، فأين هي الحدود بين كونه حكما / رئيسا وكونه طرفا / مستثمرا في قطاع تتحرك فيها مليارات الدولارات ومصالح كبرى ومعقدة ؟ وثالث تداعيات زواج المال بالسلطة على نحو غير مسبوق في امريكا هو التلاعب بالقواعد والقانون، وأضعاف الموسسات وتقوية نفوذ الأفراد والأمزجة الخاصة، ورابعها المزيد من الشعبوية والاتجاهات اليمينية والقومية المتعصبة التي تضيق بالتعددية والمهاجرين وحرية الإعلام والصحافة، وخامسها تهديد السلم والأمن الدوليين ،لان الدولة الموضوعة تحت أيدي رجال الأعمال وأباطرة وادي السيلكون مهددة وبشكل فعلي بخطر تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، وقد رأى الرأي العام العالمي كيف استعمل ماسك شركة (سبيس ايكس ) المتخصصة في الاقمار الاصطناعية إبان الحرب الاوكرانية الروسية ،وكيف قدم خدمات كبيرة للجيش الاوكراني في رصد التحركات العسكرية الروسية، وبعد ذلك توقف عن تقديم الخدمات المجانية وطلب من البانتغون اداء ثمن خدمات شركته لطرف في الحرب على حساب الآخر ، ثم اصبح لرجل السيارات والصواريخ والتواصل الاجتماعي رأي في الحرب بمعزل عن رأي دولته، عندما اقترح صفقة تسوية للنزاع على أطرافه وعلى العالم دون ان يكون لا ديبلوماسيا ولا وزير خارجية ولا موظفا في الأمم المتحدة …
ايديولوجية ماسك ومن على شاكلته من رجال الأعمال تقوم على ثلاثة أسس :
١/ اعتبار الدولة المشكل الأول أمام تحقيق التنمية ( شعار دونالد ريغان كان هو دولة اقل نمو اكثر )ومن هنا تنبع كراهيتهم للبيروقراطية الإدارية للآليات التشريع ومساراتها المعقدة ( وعد ماسك بتخفيض كلفة تسيير الإدارة الفيدرالية من سبعة تريليون دولار إلى خمسة تريليونات فقط، وذلك لتخفيض العجز في الميزانية الذي يقترب من 6% وخفض المديونية التي تتجاوز 100في 100 من الناتج الداخلي الخام لأمريكا) … برنامج دولة اقل لا يعني دائما محاربة البيروقراطية وإطلاق يد الحرية من كل قيود يعني ايضاً حكم الأقلية والدهاب بشعار دعه يعمل دعه يمر إلى ان يصير دعه ينهب دعه يغتني بلا حدود وبلا اعتبار لقواعد الحد الادنى من العدالة الاجتماعية.
٢/ التغلب على أي مشكل اقتصادي أو بيئي او تجاري او صناعي او مالي او حتى دولي بالابتكار التكنولوجيا وخفظ كلفة الإنتاج، والتفكير من خارج الصناديق التقليدية، وشعارهم لا يوجد مشكل بلا حل حتى تلك المشاكل التي تخلقها التكنولوجيا نفسها، وهذا الإيمان شبه الديني بقدرة الذكاء الصناعي والتطور التيكنولوجي على حل كل مشاكل البشر فوق الأرض بمعزل عن القيم والقانون والثقافة والمؤسسات الدولية او الوطنية، هذا المنزع المتطرف في الاعتقاد الكلي في التيكنولوجيا يخفي وراءه فلسفة مادية تشيء البشر، وتجعل المجتمع سوقا، والإنسان مستهلكا، والقواعد عائقا، والعدل يوتوبيا، لا توجد إلا في القصص التي تقرأ للأطفال قبل النوم، كما تخفي هذه الفلسفة مصالح كبرى ودعاية مقنعة لأثرياء وعباقرة وادي السيليكون الذين اصبحوا يطمعون في الاستيلاء على الدولة وعلى القرار السياسي بواسطة أموالهم وقاعدة المعلومات الضخمة Big data الموجودة تحت تصرفهم …
٣/ اللعب وفاق قواعدهم في حلبة العولمة، أي الاستفادة من مسار العولمة ومنع الآخرين من الاستفادة منها ، هم مع حرية السوق والمنافسة وازالة الحواجز الجمركية وتشجيع الاستثمار لكن عندما تدور عجلة هذه العولمة لصالح الصين او غيرها من القوى الصاعدة، فإن أباطرة وادي السيلكون يتحولون إلى السياسة الحمائية، ويختبئون وراء الرسوم الجمركية، وحقوق الملكية الفكرية وما في معناها من سياسات احترازية وحتى اشتراكية !وهنا يلتقي ماسك مع ترامب في اللعب بالرسوم الجمركية من اجل إعاقة التقدم الصيني، أنها قومية شعبوية يمينية في تحالف مع رأسمالية متفلتة من كل قيد فماذا سينتج هذا تحالف المصالح هذا …سؤال مفتوح سنعرف نتائجه في السنوات القليلة المقبلة.
Discussion about this post