تشريعات جديدة تثير غضب ناشري الصحف.. وتحذيرات من تقويض التنظيم الذاتي وضرب استقلالية المهنة
في ظل توتر متزايد داخل الوسط الإعلامي، عقد المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، أمس الجمعة، اجتماعه الدوري لمناقشة تداعيات مصادقة الحكومة على مشروعي قانونين وصفتهما الفيدرالية بـ”التراجعيين والخطرين” على مستقبل الصحافة بالمغرب.
تشريعات جديدة تثير غضب ناشري الصحف.. وتحذيرات من تقويض التنظيم الذاتي وضرب استقلالية المهنة
ويتعلق الأمر بمشروع القانون رقم 26.25 الخاص بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، ومشروع القانون رقم 27.25 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين. واللذين تمت المصادقة عليهما في اجتماع مجلس الحكومة المنعقد أول أمس الخميس.
وقد أثار هذان النصان موجة من الجدل الواسع داخل الجسم المهني. إلى جانب تنديد من قوى سياسية وحقوقية ومدنية عديدة. وذلك بالنظر إلى ما تضمنته من مقتضيات تمس جوهر الديمقراطية والاستقلالية في تنظيم القطاع.
وأعربت الفيدرالية عن استيائها الشديد من تجاهل الحكومة والوزارة الوصية لمبدأ المقاربة التشاركية. حيث تم تمرير النصين دون أي تشاور مسبق مع الفيدرالية، وهي منظمة مهنية تعتبر من أقدم الهيئات وأكثرها تمثيلية في المشهد الإعلامي الوطني. معتبرة ذلك تراجعا خطيرا عن تقاليد الحوار التي ميّزت الحكومات السابقة.
التمييز الدستوري والمهني
وتوقفت الفيدرالية بشكل خاص عند ما سمته بـ”التمييز الدستوري والمهني” في طريقة تشكيل المجلس الوطني للصحافة. إذ تم اعتماد الانتخاب لفئة الصحافيين، في مقابل الانتداب لفئة الناشرين. وهو ما يتعارض، حسب بيانها، مع مقتضيات المادة 28 من الدستور. ويقوّض مبدأ التنظيم الذاتي، ويجعل الهيئة فاقدة للمصداقية والشرعية داخل الجسم المهني والمجتمع.
وزادت الفيدرالية من حدة انتقادها، بالتنديد بما اعتبرته “فضيحة تشريعية”، تتمثل في احتساب عدد أصوات المقاولات الإعلامية على أساس رقم معاملاتها وحجمها. وهو ما قد يمنح لمقاولة واحدة عشرين صوتا. ويتيح تعيين ممثلي الناشرين بناء على “وزن اقتصادي” لا علاقة له بشرعية الانتخاب أو تمثيلية المهنة.
واعتبرت الفيدرالية أن هذا المنطق يؤدي إلى تكريس الاحتكار وهيمنة رأسمال إعلامي على حساب التعددية والتنوع. ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص في العمق. ويحوّل المجلس إلى مؤسسة مغلقة تفصّل على مقاس المصالح الكبرى.
اختلالات قانونية
كما سجل المكتب التنفيذي العديد من الاختلالات القانونية والمهنية الأخرى. ومن أبرزها: غياب التوازن في انتخابات الصحافيين بعدم التمييز بين المشتغلين في الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية ووكالة الأنباء. وكذا سحب رئاسة لجنة البطاقة المهنية من الصحافيين. والإبقاء على رئاسة لجنة المقاولة لفائدة الناشرين.
كما تشمل الاختلالات أيضا، حسب الفيدرالية، منح لجنة الإشراف على الانتخابات صلاحيات موسعة رغم أن أعضاءها جرى تعيينهم من طرف جهة حكومية ومن منظمة مهنية واحدة. وإضافة اختصاص جديد للمجلس يسمح له بتوقيف الصحف.
واعتبرت الهيئة أن النصين القانونيين يتضمنان محاولة فرض التحكيم الجبري في نزاعات الشغل، عوض الحفاظ على طبيعته الاتفاقية. وكذا التخلي عن مبدأ التداول على رئاسة المجلس، ورفع مدة الولاية من أربع إلى خمس سنوات.
وبناء على هذه المعطيات، اعتبرت الفيدرالية أن الحكومة، من خلال هذه الخطوة، أقدمت على “فعل تشريعي تراجعي”، يمسّ بصورة المغرب الديمقراطية. ويضع المهنة في مواجهة مباشرة مع تحالفات ريعية وتجارية وهيمنية تسعى للسيطرة على مستقبل القطاع.
وأكدت أن التمثيلية الحقيقية يجب أن تُبنى على صناديق الاقتراع وثقة المهنيين، لا على “قوانين مفصلة على المقاس” أو تدخلات سياسية ذات خلفيات ظرفية أو نزعات إقصائية.
قضية مبدئية
وأوضحت الفيدرالية أن الأمر لم يعد خلافا مهنيا داخليا.. بل تحوّل إلى قضية مبدئية تتعلق بمصير الصحافة كأحد أعمدة الديمقراطية. وطالبت أعضاء البرلمان بغرفتيه بالتعالي عن الحسابات السياسية الضيقة، وتحمل مسؤوليتهم في تصحيح هذه الاختلالات عند عرض النصين للمصادقة التشريعية.
وفي ختام بيانها، شددت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف على أنها، واثقة من رصيدها النضالي والتأطيري وخبرتها الممتدة لأزيد من عقدين. وأنها ستواصل تصديها لما أسمته “العقلية الإقصائية البغيضة” التي طبعت سلوك الحكومة الحالية ووزارتها الوصية.
ودعت الفيدرالية جميع المهنيين، والمؤسسات الإعلامية، والنقابات ذات المصداقية، والهيئات الحقوقية، وكافة الغيورين على حرية التعبير، إلى الاصطفاف دفاعا عن استقلالية الصحافة، وعن صورة المغرب كدولة تحترم حرية الصحافة والتعددية ودولة القانون.
Discussion about this post