إيكو بريس سلمان الهروال –
بددت قرارات الوالي محمد مهيدية عدم يقين بعض المشككين في مصداقية تحركاته بخصوص خروقات التعمير التي استفحلت طول خمسة عشرة سنة الماضية في طنجة، حيث عرفت المدينة خلال تلك الفترة انفجارا عمرانيا لم تستطع سرعة الإدارة منذئذ وإلى غاية اليوم مواكبته وتغطيته بوثائق التعمير بشكل استباقي، علما أن موظفي الدولة في الوكالات الحضرية والجماعات المحلية والعمالات يتقاضون أجورا جد محترمة.
وعلى مدار السنوات العشر الفارطة، ابتداءا من سنة 2011 شهدت عاصمة البوغاز تناسل عشرات الأحياء الغير المهيكلة أمام أنظار وأعين السلطة المحلية، وسط جدل كبير حول سماح تناسل تجمعات عشوائية تشوه المشهد العمراني لعاصمة شمال المملكة. وقد كان هذا الوضع سبب التعليل الذي جاء في مراسلة الوالي محمد مهيدية لرؤساء المقاطعات يوم 17 غشت المنصرم، حين قال بأن “هذا النوع من الممارسات يساهم في تفشي ظاهرة البناء العشوائي وتشجيعه وتشويه المشهد العمراني للمدينة…” إلخ من الحجج التي علل بها ممثل السلطة الحكومة تدخله المشار إليه.
ولم تجانب مذكرة الوالي محمد مهيدية الصواب، فالقادم إلى مدينة طنجة، سواء عبرالطريق السيار أو السكك الحديدية، أو على متن الخطوط الجوية، سواء كان آتيا من جنوب المدينة أو شرقها أو نازلا من السماء عبر الطائرة، تستقبله مشاهد عمرانية مشوهة، ابتداءا من امغوغة، مرورا بالعوامة وبني مكادة، الحرارين سيدي ادريس، إلى حجر النحل واشراقة، كلها آجورأحمد مشوه وغير متناسق، لا في علو المباني ولا في التصفيف، ولا شكل النوافذ والشرفات، ولا حتى في الصباغة الخارجية، على الأقل، إذ أن توحيد لون الطلاء الخارجي للمنازل يمكن أن يخفي هول الكارثة البصرية.
وأمام تفشي هذه الحالة المناقضة تماما لتوجهات الدولة على مستوى تكريس مدن ذكية ومدن مستدامة تستجيب لمعايير العيش المستدام، وقع العكس تماما في مدينة طنجة، حين أخفقت السلطات المحلية في ضبط تنامي بناء المنازل الفردية لغرض السكن، وذلك في إطار سياسة مع بعض المنتخبين الذين يتم استخدامهم في الانتخابات، ( هكذا يقول المعنيون بالأمر الذين تعاقبوا في مجالس مقاطعات امغوغة وبني مكادة وطنجة المدينة).
تلك الصفقة السياسية بين بروفايلات معنية من المنتخبين وبين السلطات المحلية، خلفت رواجا اقتصاديا بفعل انتعاشة حركة البناء الغير المرخص، حينها ازدهرت السوق السوداء في السمسرة في شواهد ثبوت البناء، وشواهد التزود بالماء والكهرباء، ورخص الإصلاح، وغيرها من الوثائق الإدارية التي يحتاجها المواطنون بعد استكمال أشغال البناء.
في الظاهر كان يبدو أن هذه العملية غير مكلفة أو أقل تكلفة من البناء برخصة التعمير…. لكن في الواقع كانت أكثر تكلفة من ذلك، لكن أين كان يتجلى المشكل؟
ظلت هذه العقدة ملازمة لمدينة طنجة، والجماعات المجاورة لها، العوامة، اكزناية، حجر النحل، جوامعة، القصر الصغير، ملازمة لكل مواطن يرغب في بناء منزله في مدينة طنجة منذ تسعينات القرن الماضي وإلى غاية اليوم.
السبب يتجلى في “غياب تصاميم التهيئة” و “انعدام وثائق التعمير”، وهي العوامل التي تجعل الإدارة ممثلة في الوكالة الحضرية والمجالس الجماعية، تحجم عن منح رخص التعمير للراغبين في الحصول عليها.
بيد أن الطبيعة تخشى الفراغ، كما يقال، لأن الحصول على سكن حاجة ضرورية ووجودية منذ الأزل، ففي الماضي حين كان الإنسان يبحث عن موظئ ليبني فيه عش يستتر فيه رفقة أبناءه، لم يكن يجد أي صعوبة رغم قساوة الطبيعة والظروف المادية.
لكن في الوقت الذي تطورت الدولة، وجد الإنسان صعوبات وعراقيل وصلت حد الشروط التعجيزية للحصول على إذن بالبناء، بسبب سياسات عمومية تحوم حولها الكثير من المؤاخذات، ذلك أنها تتوفر على ترسانة قانونية متخمة بقوانين التعمير، لكنها محفوفة بالثغرات والفخاخ أمام الإدارة المحلية ( المجالس المنتخبة والوكالة الحضرية)، مما يجعل المواطنين الذين يطرقون أبوابها يجدون صعوبات كبيرة في التصرف في البقع الأرضية من أجل بناء مسكن فوقها.
قرارات رفض التراخيص مازالت إلى غاية شهر شتنبر 2023 تتسم باللامنطق وعدم العقلانية، حس وصف عصام الراجي، باحث متخصص في القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث تفرض الإدارة شروطا مخالفة ومضادة تماما للواقع، فمثلا توجد عشرات الدور مبنية في مجال ترابي ذات مساحة صغيرة ومتوسطة، ومع ذلك يتلقى المواطنون الذين ما زالت لديهم بقع مجاورة، أجوبة بالرفض على الإذن بالبناء، بدعوى أن القطعة أصغر من المساحة المحددة في تصميم التهيئة ؟ فهل يجب على الإدارة أن تكون في خدمة المواكن أم يتم إرهاق المواطن لبلوغ مراد مزاجية الإدارة ؟
الخروقات لم تتوقف عند هذا الحد بل امتدت للعمارت والمجمعات السكنية التي أريد منها أن تغطي مظاهر بشاعة الأحياء العشوائية، لكن سياة الواجهة فشلت بسبب قيام بعض المنعشين بتواطئ مع بعض المهندسين في ارتكاب خروقات وتجاوزات بغاية تحقيق مكاسب إضافية، ففي نفس المنطقة تجد منعشا تم الترخيص له بـ 7 طوابق و المشروع المجاور له 5 طوابق لأسباب غير مفهومة مما زاد الطين بلة، حيث اغتنى الكثيرون وتضرر المواطن البسيط الذي وجد نفسه إما في شقة أشبه بقبر من شدة الضيق والضنك، أو ود نفسه في منازل متجاورة تفتقر إلى المرافق الضرورية تبتدئ بالماء والكهرباء، وفي ألإضل الحالات تفتقر للمدارس والمستوصفات.. أليست هذه بؤر خامدة منتشرة في طنجة الكبرى ؟؟