“الرخص الحمامية” تطارد رئيس مقاطعة بني مكادة من جديد
أعادت دورة يونيو الأخيرة لمقاطعة بني مكادة، التي ترأس أشغالها محمد الحمامي، فتح جراح مرحلة مظلمة في تاريخ التعمير بمدينة طنجة.
وجاء ذلك بعدما طفت إلى السطح مجددا اتهامات مرتبطة بملف “الرخص الاستثنائية” التي لازمت اسم الحمامي طيلة ولايتين جماعيتين ما بين 2003 و2015. وهو ما شكل واحدة من أكثر المحطات المثيرة للجدل في المشهد العمراني والسياسي للمدينة.
“الرخص الحمامية” تطارد رئيس مقاطعة بني مكادة من جديد
ورغم أن جدول أعمال الدورة انصبّ على مناقشة الجوانب التقنية المتعلقة بتراكم ملفات تسوية البناء.. إلا أن الجلسة حملت في طياتها شحنة تذكيرية بقضية “الرخص الحمامية”. وتحوّلت من مجرد وثائق إدارية إلى أدوات نفوذ تُوزّع بمنطق الامتيازات والمصالح. وذلك بعيدا عن المساطر القانونية وتصاميم التهيئة.
ووفق شهادات من تلك المرحلة، نقلتها تقارير إعلامية، فإن الرخص كانت تُمنح خارج المسالك الإدارية المعتادة. وغالبا عبر وسطاء مرتبطين بشبكات الولاء الانتخابي. وقد عُرضت كحلول “بديلة” للمواطنين الذين رُفضت طلباتهم رسميا. وهو ما أدى إلى ولادة أحياء غير مهيكلة تتحمل المدينة اليوم عبء تأهيلها المتأخر.
من خدمة عمومية إلى أداة انتخابية
وتحوّلت “الرخصة الحمامية” في وجدان الطنجاويين إلى رمز لفترة اتسمت بالفوضى العمرانية والتفاوت المجالي الصارخ. فالكثير من تلك الرخص لم تكن مجرد تجاوزات شكلية، بل كانت قرارات سياسية مقنّعة، تم بموجبها منح الضوء الأخضر لبناء طوابق سكنية كاملة تحت غطاء “شهادات إصلاح”. وهو ما أدى إلى تشييد بنايات مخالفة لمعايير السلامة والتهيئة.
وتشير مصادر محلية إلى أن بعض الوثائق تم تأريخها بشكل رجعي. في حين صدرت أخرى بتوصيفات مضللة. وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول مدى تورط عدة جهات في هذا المسلسل الممنهج من خرق القانون.
الذاكرة لا تنسى.. والمحاسبة غائبة
ورغم أن محمد الحمامي غادر رئاسة المقاطعة منذ سنة 2015، وعاد إلى الواجهة كنائب برلماني سنة 2021.. إلا أن ظلال هذا الملف ما زالت تطارده في كل محطة تتعلق بإرث التعمير في طنجة. وخاصة في ظل ما تشهده مناطق نفوذه الانتخابي من اختلالات مجالية وفوضى حضرية مزمنة.
ولم تأت دورة يونيو 2025 على ذكر “الرخص الحمامية” بشكل مباشر، إلا أن الأجواء المشحونة وتلميحات بعض التدخلات أعادت الملف إلى دائرة الضوء. وخصوصا في ظل استمرار معاناة مئات الأسر التي تجد نفسها اليوم معزولة عن شبكات الماء والكهرباء. وذلك بسبب بنايات شُيّدت على أسس غير قانونية.
من يحاسب من؟
ومع غياب أي بلاغ رسمي أو فتح تحقيق إداري أو قضائي في الموضوع، يستمر الصمت الرسمي. فيما تحتفظ الذاكرة الجماعية للمدينة بمرارة تلك الحقبة.
ففي وقت تتحدث فيه الأصوات الرسمية عن “تصحيح أعطاب الماضي”، لا يزال ملف “الرخص الحمامية” حاضرا كشاهد حي على فصول من الإفلات من العقاب. وذلك وسط قناعة متزايدة لدى الرأي العام بأن السياسة، حين تنحرف عن مسارها، قد تتحول إلى أداة لتكريس الفوضى وليس حلها.
وعموما، يمكن القول إنه إذا كانت المؤسسات الرسمية قد اختارت تجاهل هذا الماضي، فإن سكان المدينة لم ينسوا بعد تلك المرحلة التي كان فيها التعمير يُدار بمنطق الزبونية والمقايضة. وذلك في مشهد لا يزال يطرح سؤالا محوريا: هل ستُفتح صفحة المحاسبة، أم سيُطوى الملف كغيره تحت غبار النسيان؟
ذات صلة:
Discussion about this post