صرح أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أخيرا، بأن 95 في المائة أو أكثر من الخطباء يأخذون بالخطبة الموحدة عن تلقائية وطواعية، فيما لا يأخذ بها 5 في المائة منهم، أي حوالي 1300 من هؤلاء الخطباء.
وقال التوفيق، في إطار كلمته بالمجلس العلمي الأعلى، أن “هناك تتبعا أكيدا ودقيقا لمن يأخذ بهذه الخطبة ومن لا يأخذ بها”، مضيفا “مع بداية هذه الخطة (تسديد التبليغ) اقترحنا خطبة وكنا أردنا تعميمها فقام المشوشون، إما لأنهم لم يفهموا أو لأنهم أصلا لا يقبلون شيئا من هذه الجهة”.
وأشار المسؤول الحكومي إلى من لا يلتزم بخطبة الجمعة الموحدة، متسائلا “من أين يأخذ خطبته؟ وماذا يقول فيها؟ وماذا يجده حريا بأن يسمعه المؤمنون وتكون فيه مرضاة الله تعالى بدون ما يرد في هذه الخطب؟”.
وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد أوضحت أن “السادة الخطباء والوعاظ كانوا ومازالوا يتمتعون بحرية تصحبها مسؤولية في إلقاء خطبهم ومواعظهم، باعتبارهم محل ثقة وكفاءة في ذلك، عدا بعض الحالات القليلة جدا التي تشذ أحيانا عن هذا الاطراد”
في هذا السياق خصصت الوزارة موضوع خطبتها الرسمية لموضوع “الزكاة” يوم الجمعة 29 نونبر 2024.
هذا هو مضمونها: “الخطبة الأولى
الحمد لله الكريم المنَّان، الجواد بجلائل النِّعم وكرائم الإحسان، نحمده تعالى على أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرَّد عن الخلق بوصف الغنى، وخصَّ بعض عباده بالحسنى، فأفاض عليهم من نعمه ما يسَّر به عليهم وأغنى، ثم جعل الزَّكاة للدِّين أساساً ومبنى، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبد الله ورسوله، المصطفى سيِّد الورى، وشمس الهدى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه المشهود لهم بالعلم والتُّقى، أرسله ربُّنا بين يدي السَّاعة بالهُدى ودين الحقِّ ليظهره على الدِّين كلِّه، فصلوات ربِّي وتسليماته عليه تتوالى، وعلى آله الكرام نَسَباً ونِسْبَةً، وعلى أصحابه المتفانين في الاقتداء به طاعةً وحسبةً، وعلى التَّابعين لهم بإحسان في كلِّ مكان وحقبة.
أمَّا بعد، أيُّها الإخوة المؤمنون، سبق الحديث في إطار “خطة تسديد التَّبليغ” عن الزَّكاة ودورها في تزكية الأنفس من الشُّح والبُخل، وتزكية الأموال من حقوق الفقراء والمساكين التي أوجبها الله تعالى على الأغنياء في أموالهم تضامناً مع إخوانهم الفقراء، فاستحقوا بأدائهم لهذه الطَّاعة حسن الجزاء، والوقاية من النَّار مصداقاً لقول الله تعالى:
وَالذِينَ فِےٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقّٞ مَّعْلُومٞ (24) لِّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِۖ (25) [1]
وليست الزَّكاة بديلاً عن الضَّريبة كما العكس، فالضَّريبة حقٌّ للدَّولة تدبِّر به الشَّأن العام للمواطنين، حيث يؤدِّيها أصحاب الأرباح المختلفة، وفاءً لما التزموا به اتِّجاهها، وعملاً بقول النَّبي ﷺ:
“المسلمون عند شروطهم“[2].
فدولة المؤسَّسات يكونُ بينها وبين مواطنيها حقوق وواجبات متبادلة، إذ يجب القيام بالواجبات لتكون الحُقوق مستحقَّة بعد ذلك، فالضَّريبة واجبٌ من واجبات كلِّ مواطن ومواطنة، والأموال المتحصّلة منها تعدُّ من موارد الدَّولة التي تُسَيِّر بها شؤونها في مجال التَّنمية، وحفظ الثُّغور، ورعاية الشَّأن العام، وإصلاح أمر النَّاس في معاشهم وصحتهم، وحفظ أمنهم، وغير هذا من المصالح العامَّة التي تقوم بها الدَّولة لصالح أفراد المجتمع.
أمَّا الزَّكاة: فهي حقُّ الله تعالى في مال الأغنياء، حدَّد القرآن الكريم مستحقِّيها، وجعلها من أهم وسائل التَّضامن، والحدِّ من آثار الفقر والحاجة في المجتمع، فمن ثم كان اهتمام العلماء بالحثِّ عليها، وبيان أحكامها، والحِكمة منها عبر تاريخ هذه الأمَّة، لما لها من أثر في تزكية نفس المزكِّي، و في نشر الخير والمحبَّة بين أفراد المجتمع، وغيرها من الأدوار الاجتماعية العظمى متمثلين توجيه رسول الله ﷺ لسيِّدنا معاذ رضي الله عنه، حين بعثه النَّبي ﷺ إلى اليمن وقال له:
«إنَّك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإيَّاك وكرائم أموالهم، واتَّق دعوة المظلوم، فإنَّه ليس بينه وبين الله حجاب»[3].
عباد الله، لقد شدَّد مولانا سبحانه وتعالى الوعِيدَ عَلَى المُقَصِّرين فيها فقال جلَّ في علاه:
وَالذِينَ يَكْنِزُونَ اَ۬لذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ اَلِيمٖۖ (34) يَوْمَ يُحْم۪يٰ عَلَيْهَا فِے ن۪ارِ جَهَنَّمَ فَتُكْو۪يٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَۖ(35) [4]
إنَّ في إيتاء الزَّكاة؛ أداءً لحقِّ الله تعالى، وبرهاناً للمؤمن على صدق إيمانه ومغالبته لنفسه في اتِّقاء بُخلها وشُحِّها، وإيثار الآخرين، ومحبَّة الخير لهم. أمَّا التَّأخر في أدائها مع القدرة والاستطاعة أو منعها، فهو تأخرٌ في أداء حقِّ الله أو منعه، وإثمهما عند الله عظيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، وفي حديث سيِّد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله المجزي عن الإحسان إحساناً، وعن التَّوبة والإنابة عفواً وغفراناً، والصَّلاة والسَّلام الأتمَّان الأكملان على الهادي الأمين المبلِّغ عن ربِّ العالمين، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد عباد الله، صحَّ في حديث مولانا رسول اللهﷺ : عن أبي موسى الأشعري عَنِ النَّبيﷺ قال:
“عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ”. فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: “فَيَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ”. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَستَطِعْ أَو لَمْ يفعل؟ قَالَ: “فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ”. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَل؟ قَالَ: “فَيأَمُرُ بالخَيْر”، أو قَالَ: “بِالْمَعْرُوفِ”، قاَلَ: فَإنْ لَمْ يَفْعل: قَالَ: “فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ”.[5]
ففي هذا الحديث الشَّريف إشارات هامَّة منها:
أنَّه “عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ”: والعبارة كما تعني الصدقات التَّطوعية، تعني الزَّكاة المفروضة؛
تنبيه المؤمن إلى أن يعمل بيده، وينفق على نفسه، ويتصدَّق من ذلك، وألاَّ يتواكل فيتَّكل على غيره؛
وجوب الاهتمام بالفقراء والعناية بهم، وتخفيف الأعباء عنهم، وأَنَّ الرَّحمة بخلق الله تعالى لَا بُد منها، رحمةٌ تكون بالمال وسائر وجوه البرِّ والنَّفع، وأعمال الخير، وتعطى بحسب حاجة النَّاس إليها، والمؤمنُ مسارع لأبواب الخير، حريص على أن يحصِّل من كلِّ باب نصيبه، ويبقى أجر الفرض أَكثر من النَّفل، لقَوله فيما رواه أبو هُريرة رضي الله عنه:
(وَمَا تقرب إِلَيَّ عَبدِي بِشَيْء أحب إِلَيَّ مِمَّا افترضتُ عَلَيْهِ)»[6].
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على من أُمرتُم بالصَّلاة والسَّلام عليه، فاللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد، وعلى آل سيِّدنا محمد، كما صلَّيت وسلَّمت على سيِّدنا إبراهيم وعلى آل سيِّدنا إبراهيم، وبارك على سيِّدنا محمد، وعلى آل سيِّدنا محمد، كما باركت على سيِّدنا إبراهيم، وعلى آل سيِّدنا إبراهيم في العالمين إنَّك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين، ذوي القدر العلي، والفخر الجلي، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن باقي العشرة الكرام البررة، المبشرين بالجنَّة، وعن الأنصار والمهاجرين، وسائر الصَّحب أجمعين، وعن التَّابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
وانصر اللهم من ولَّيته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمداً السَّادس نصراً عزيزاً تعز به الدِّين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم بما حفظت به الذكر الحكيم، وأقرَّ عين جلالته بولي العهد، وطالع السَّعد، صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشدَّ أزر جلالته بصاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة، إنَّك سميع مجيب.
وارحم اللهم بواسع رحمتك، وبكريم جودك وعفوك، الملكين الجليلين مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك، مع المنعم عليهم من النَّبيئين والصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين.
اللهم ارحمنا، وارحم آباءنا، وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها، ربَّنا إنَّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بركم فآمنَّا ربَّنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنَّا سيِّئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربَّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة، إنَّك لا تخلف الميعاد.
ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنَّا عذاب النَّار.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين”.
Discussion about this post