إيكوبريس محمد الراضي –
نتج عن قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، القاضي بتحديد شروط جديدة لانتقاء المترشحين لاجتياز مباريات التعليم، عدة آثار اجتماعية واقتصادية، بعضها ظاهر للعيان، لكن البعض الآخر يتطلب تمحيصا دقيقا لقطاع التعليم المغربي من أجل الوقوف عليها.
الحديث هنا عن الآثار التي رتبها هذا القرار على أساتذة القطاع الخاص، هاته الفئة العريضة من الشباب المغاربة، الذين لجؤوا إلى التدريس بالمدارس الخصوصية، فرارا من شبح البطالة، وطمعا في كسب تجارب ومراكمة خبرات، تسمح لهم فيما بعد بالالتحاق بالوظيفة العمومية، أو بتحسين موقعهم في القطاع الخاص.
لكن بعد قرار بنموسى بتحديث شروط الانتقاء رغبة في تحسين جودة التعليم، حسب قوله، تناسى السيد الوزير، أو تغاضى عن شريحة واسعة من الشباب الذين تجاوز أغلبهم، أو اقترب معظمهم من تجاوز سن الثلاثين، في الوقت الذي يشكلون القلب النابض لقطاع التعليم الخصوصي رغم الأجور الهزيلة التي يتحصلون عليها مقارنة بقطاع التعليم العمومي.
فمن سيحمي هؤلاء الشباب من جشع أرباب قطاع التعليم الخاص، علما أن أجورهم لا تتجاوز 3 آلاف درهم في أحسن الأحوال، وبمنعهم من اجتياز المباراة للالتحاق بالسلك العمومي، قُدموا كقربان جماعي، للرأسماليين المتحكمين في القطاع، حيث أن موقعهم التفاوضي أصبح ضعيفا لغياب أية حلول بديلة.
بذلك ضمنت الوزارة توفير يد عاملة رخيصة للقطاع الخاص، وسد الفراغ الذي كانت تعاني منه المدارس الخاصة بعد كل مباراة للتعليم العمومي.
من زاوية أخرى، فتصريح شكيب بنموسى في وقت سابق، بأن الخمس سنوات القادمة ستكون كفيلة لتخريج ما بين 18 ألف و 20 ألف من حاملي شهادة الإجازة في علوم التربية، يعني أن الوزارة ستستمر في سياستها في تقديم القرابين على طول سنوات ولايتها. حيث أن هاته الأرقام تعني بالأساس أنه في الخمس سنوات القادمة سيلتحق ما يقارب 8 آلاف من الخريجين بالتعليم العمومي، في حين لن يجد الآخرون بديلا عن تقديم رقابهم لأرباب التعليم الخاص، وفق الشروط المفروضة مسبقا.
وفي غياب أي قرار أو مشروع قانون يلزم أرباب القطاع الخاص في الرفع من أجور الأساتذة والمعلمين، سيبقى الإصلاح الذي يتغنى به وزير التربية الوطنية، مجرد إصلاح تقني يروم سد خصاص التعليم الخصوصي، وإنقاذ ما تبقى إنقاذه من صناديق التقاعد التي أُفرغت بفعل فاعل. بذلك يكون الهدف الأساسي من إقصاء من يفوقون 30 سنة، هو فقط تضحية من الحكومة بفئة عريضة من الشباب التي في نظرها ستساهم في صندوق التقاعد لمدة لا تتجاوز 30 سنة ثم ينضافون للفئة الواسعة من المتعاقدين الذين سبق أن نُهبت مساهماتهم وتم دفعهم للعمل لسنوات أكثر، في حين أن الشباب المتخرج حديثا سيستمر في المساهمة لمدة أطول، ما يسمح بهامش تحصيل أوسع.
وإن كانت التضحية بالشباب، وإرهاق كبار السن بمزيد من سنوات العمل، هي الحلول الوحيدة لإصلاح نظام التقاعد، فندعو السيد شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، و رئيس اللجنة الخاصة بالمخطط التنموي، للانفتاح أكثر على تجارب الدول المتقدمة، التي ذهبت إلى استثمار أموال صندوق التقاعد في مشاريع تنموية هادفة، تعود بالنفع على الجميع، وتسمح بمضاعفة مداخيل الصندوق أيضا، في خطوة استثمارية قادرة على توفير حلول على جميع الأصعدة، الاجتماعية، الاقتصادية، والتنموية. دون التحجج بـ فقاعة إصلاح التعليم من أجل التغطية على الرغبة في إصلاح نظام صندوق التقاعد الذي بدأ مستواه يدق ناقوس الخطر.