يرى الاعلامي المغربي المقيم في إسبانيا أيمن الزبير، أن البقال المغربي معجزة محلية بانتياز، حيث عنون الإعلامي الطنجي مقال له على صفحته الشخصية فايسبوك ب”المعجزة السوسية”.
وفيما يلي نص المقال
ككل الأماكن حيث تطل إمكانية الربح المريح تسللت إلى أزقتنا عشرات “السوبر ماركتات” العالمية بشكلها الأنيق و جمال معروضها. لم يدر في خلدي قط أن انتشارها و قبولها من طرف الزبائن سيكون بهذه السرعة في بلد لم تتضح بعد صلابة قدرته الشرائية.
أتابع هذا التوسع تزامنا من النقاش الدائر في بعض الدول الأوروبية حول تجاوزات هذه الشركات المتهمة الآن برفع أسعار بعض المواد الأساسية محتمية بأعذار التضخم و حالة عدم الاستقرار الدولية.
لكن القلق لا يمليه فقط التخوف من مساوئ الاحتكار الذي قد تفرضه هذه الغيلان التجارية، بل أيضا خشية تأثر ما يعرف “بالتجارة الصغرى” التي تقاسي منذ سنوات من احتدام المنافسة و تفشي العشوائية.
أتحدث أساسا عن “تباقالت” و الحوانيت التجارية الصغرى التي صاحبتنا منذ نعومة الأظافر. نموذج سوسيو اقتصادي فريد حمل في مدننا الكبرى بصمة أهل سوس الطيبين.
و لست أبالغ إن قلت إن قصص النجاح التي حققها آلاف التجار القادمين من وسط المغرب تستحق أن تدرس في أعتى مدارس التدريس و الإدارة.
نماذج تميز حقيقية كتبها “سواسة” الذين غادر بعضهم بلدته قبل بلوغ سن الرشد لإطلاق مبادرات تجارية تتحدى كل قوانين المحاسبة المالية و الاستثمار الآمن.
في مدينتنا حيث تشيع “الشوفينية اللفظية” لم يجد “السوسي” صعوبة في الاندماج و النجاح، بل سارع إلى التفاعل مع طبيعة المدينة و خصوصياتها الثقافية و الاجتماعية.
عشرات الأصدقاء الذين جاورتهم لا تختلف لكنتهم و طبائعهم عن لكنة و عادات سكان درادب و القصبة، بل تفننوا في إجادة اللغة الاسبانية و الدفاع عن مدينتهم الثانية.
مسارات مشرقة زادت من بهائها منظومة الضمان الاجتماعي الموازي التي أمنتها دكاكينهم حيث التفهم و آلاف دفاتر القرض الميسر لكل من تعذر عليه دفع مستحقات الزيت و الزبدة و السكر و الحليب.
و حتى و إن كنت على يقين أن عظمة تجارنا أكبر من أن تنهار أمام الأشكال الاستهلاكية الجديدة، أعتقد أنه بات لزامًا أن نوفر كل أشكال الحماية لهذا الإرث الإنساني الجميل، أولا عبر أسمى عبارات الشكر و التقدير و ثانيا عبر الرهان الدائم على تجارة القرب، على “بقال الحومة”.