في ظل اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، يطرح الصحفي عصام واعيس في مقال نشره على صفحته الشخصية على موقع فايسبوك عدة أسئلة بخصوص الانتخابات القادمة، عن مدى اهتمام النظام بتنظيمها ! وعن جدوى وجود أحزاب غير مأثرة القرار السياسي! وكذا عن عدم مقاطعة الأحزاب لانتخابات غير مأثرة في القرار السياسي! وغيرها من الأسئلة الملحة والراهنة، ليعطي تفسيرا وقراءة لهذا الواقع. وتعميما للفائدة نعيد نشر المقال مع عموم قراء جريدة إيكوبريس، وفي ما يلي نص المقال:
لماذا يأبه النظام من الأصل بتنظيم الانتخابات؟ بل ما الغرض من الانتخابات نفسها في سياق الأحزاب فيه لا تؤثر في القرار؟
ستبقى أكبر صورة معبرة عن مركز القرار م
قابل هامش القرار هي تلك التي جمعت ثلاثة مستشارين ملكيين يحفهم وزيرا الداخلية والخارجية وجها لوجه مع زعماء الأحزاب الممثلة في البرلمان.
هذه هي الحقيقة التي لا تقولها الكلمات. وإذا كانت كذلك فما الحاجة للانتخابات؟ ربما الكلمة المفتاح، كما سنرى، هي “الساحة”، اللعب داخل الساحة..
لكن قبل أن نجيب، دعونا نسأل أيضا، لماذا لا تقاطع الأحزاب الانتخابات؟ وخاصة تلك التي تعبّر عن فهم عميق “للخواض الانتخابي” مثل حزب العدالة والتنمية.
ملاحظات الحزب على مشروع القانون التنظيمي المعدل للقانون التنظيمي لمجلس النواب كلها تقريبا منطقية وأفترض أن أي حزب يحترم معنى التنافس النزيه سيتفق مع حزب “المصباح” فيها:
إلغاء القاسم الانتخابي في صيغته الحالية، اعتماد عتبة لتوزيع المقاعد في حدود 3 في المائة، التراجع عن تغليب المقاربة الإدارية والزجرية، امتثال الإدارة لأحكام القضاء وليس العكس، التراجع عن سن عقوبة خاصة بالتشكيك في الانتخابات..
بالنسبة لانتقاد الحزب فتح الباب للدعم المالي للترشح بدون انتماء حزبي في الدوائر المحلية، أظن أن وزير الداخلية حين قدّم هذا المقتضى أمام لجنة الداخلية في البرلمان فتح نافذة على ما يدور في فكر مهندسي الخرائط..
قال الوزير: “تتمثل الغاية منه (أي منح مساهمة مالية للوائح الشباب) في حث الأحزاب السياسية وحفزها على استقطاب الشباب واحتضانهم وإدماجهم في المؤسسات التمثيلية الوطنية”. لم يقل في الأحزاب فقط
يعني سنأتي بالشباب للبرلمان ونوزعهم عليكم أو إن شئت وتستقطبونهم! سيناريو المرشحين الأحرار في يونيو 1977 مع تعديل، عوض أن نؤسس حزب للأحرار.. ممكن نرمم الأحزاب القديمة..
ما علينا، عموما قدم الحزب مرافعة قانونية ودستورية قوية لصالح تشريعات انتخابية أكثر نزاهة.
وتوقف مطولا عند تنصيص مشروع القانون التنظيمي الجديد على منع الترشيح في حالة التلبس والمتابعة، باعتباره انتهاكا لقرينة البراءة ومبادئ قانونية أخرى..
تحدث خلال الندوة الصحافية التي عقدها يوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025 لتقديم ملاحظاته الانتخابية وتفاصيل تضارب المصالح في صفقات التزود بالأدوية، عن محاربة استعمال المال وشراء الذمم وعن حياد الإدارة..
وقدم معلومات أوفى عن صفقات مشبوهة بتضارب المصالح حازتها شركة “فارمابروم” وأنقذتها من الإفلاس، وهي الشركة التي أتى منها وزير التعليم، ويتعامل معها تفضيليا على ما يبدو وزير الصحة..
وفصّل في النصوص الانتخابية نقطة بنقطة، وفي زواج السلطة والمال في القطاع الصحي أيضا..
الآن لنعد لأسئلة البداية، لماذا لا يقول الحزب لنفسه: هذه لعبة متحكم فيها مسبقا وربما حتى التشكيك في نتائجها يصير محرما، فلم الاستمرار فيها؟
لماذا تحرص الأحزاب على المشاركة في لعبة معطوبة (العدالة والتنمية نموذجا)؟ ولماذا يحرص النظام على الانتخابات من الأصل؟
وجدت مقتربا أو منظورا قد يسعف في التفكير في جواب عن السؤالين في كتاب شهير وقيّم لمنية بناني الشرايبي بعنوان “الأحزاب السياسية والاحتجاجات في المغرب 1934-2020”.
ترى الشرابي أن الانتخابات والفضاء السياسي المؤسساتي يخدم ثلاثة أغراض من زاوية النظام.
“الأول بالنسبة للنظام يتمثل في حشد التوافق من أعلى وإبرام “ميثاق وطني” في كل لحظة ضعف”، و”الثاني يستهدف تجديد النخب والزبائن”، و”الثالث إنشاء “ساحة (سياسية) مزدمحة ومتشرذمة”.
بمعنى آخر، النظام بحاجة إلى ساحة يتنافس فيها وعلى مزاياها الجميع، كلمة الساحة وحدها كلمة مفتاحية لأنها تنقل الجميع من فضاءات مجهولة وغير مؤطرة إلى مكان مؤطر بقواعد محكمة (هذا تعليقي وليس كلام الشرايبي).
لذا يهم النظام الإقبال على انتخابات 2026 التي تعد المدخل إلى “الساحة” والتي تعني زبائن جدد ونخب جديدة واستمرار لتقسيم القوى بالعطايا والغنائم ما بعد الانتخابية..
طيب الآن، ماذا عن سبب قبول العدالة والتنمية بهذه القواعد أي اختيار المشاركة في اللعبة السياسية؟ لنعد للشرايبي.
تقول “تخفض هذه الاستراتيجية تكلفة العمل الجماعي، تحمي من القمع، تزيد من هامش المناورة والفرص لتراكم الموارد”.
وأكيد أن الحزب الذي ينخرط في اللعبة يتعرض لمخاطر: “مراقبة أسهل، شرعنة نظام يبقى سيد اللعبة، تآكل الإمكانية الاحتجاجية، نفور المتعاطفين والأعضاء، والتوقف عن تمثيل بديل”.
العدالة والتنمية لم يزل يرى نفسه بديلا شعبيا لأحزاب يراها سليلة صناديق الأموال وليس صناديق الاقتراع، فإلى أي حد يصمد الحزب في وجه ما يقوله التحليل السياسي.
أي إلى حد يحافظ على قدرته على الحشد، لا يشرعن ممارسات فاسدة، ويستمر في تجسيد البديل للوضع القائم؟ وهل تعافى من صدمة 8 شتنبر؟
إذا أعلن الحزب مقاطعة الانتخابات فيكون بشكل ما نقض عهده مع النظام والاتفاق الضمني الذي يجمعه به أي اللعب داخل الساحة، كما يكون أقر بتفوّق مقاربة العدل والإحسان.
طبعا، الحزب يؤطر موقفه ب”الإصلاح من الداخل” وليس بالخوف من اللعب خارج الساحة كما تفعل العدل والإحسان..
والعدل والإحسان تبقى بالنسبة للنظام ورقة رابحة أيضا إذا قبلت بشروط اللعبة مقابل الامتيازات نفسها التي حصل عليها من سبقها..
وباقي الأحزاب في جلّها لم تعد تلعب اللعبة مع النظام، ولذا صارت عبئا عليه وصار يتدخّل ليجد لها منافذ للحركة وتشكيلات داخل الساحة ويأتي لها بالشباب حتى البرلمان..!
عصام واعيس

















Discussion about this post