أصدر مؤخرا، مدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية قرارًا يقضي بإنهاء مهام مدير المحافظة العقارية بطنجة المدينة.
يأتي هذا القرار الذي تم بطريقة يكتنفها الكثير من التكتم بعد عام وبضعة شهور في منصبه.
ولم تعلن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية للرأي العام المحلي والجهوي عن حيثيات القرار، وخلفياته وملابساته، هل يندرج في إطار حركة انتقالية داخلية، أم في إطار احترازي، أم ضمن إجراءات ذات طابع تأديبي، أم هو قرار انتقامي لأن الرجل قد لا يكون أعجب جهات نافذة في عالم السلطة أو المال بطنجة.
ومعلوم أن منصب المحافظ بالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، وظيفة حساسة بالنظر إلى دورها في تصفية وتطهير العقارات، حيث تعد شهادة “الرسم العقاري” بمثابة “كنز ثمين” لمن يحصل عليه، إلكن تلك الشهادة تزداد قيمتها ومكانتها كلما كان العقار سواء شقة أو دارا أو فيلا أو أرضا عارية تحوم حوله الشبهات، إما من حيث ثبوتية وثائق التملك، أو عدم استيفاء البناء لكل الشروط والمعايير المطلوبة.
وهكذا، صارت وثيقة شهادة الرسم العقاري في طنجة “سوقا مربحة” و “تجارة تدر الذهب” في سوق يلعب فيها منتخبون خصوصا في مقاطعتي المدينة وبني مكادة، بالإضافة إلى سماسرة ووسطاء محترفون، بعضهم بشغل مهام وظيفية في البلدية وبعضهم في شركة توزيع الماء والكهرباء، وآخرون داخل بناية المحافظة العقارية نفسها.
وبالتالي فإن أي مدير يجلس في كرسي المحافظ بإدارة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، بطنجة المدينة، يكون محط أنظار، وموضع تتبع، ومعرضا لإغراءات لا حصر لها، تجعله في موقع المفاضلة ما بين الحفاظ على الأمانة وما بين مواجهة الضغوط.
القرار معلن والأسباب مخفية لماذا ؟؟
فإذا كانت بعض التقارير الإعلامية تحدثت عن وجود “تأخيرات في معالجة الملفات العقارية وصعوبات تواجه المواطنين والمستثمرين في الاستفادة من الخدمات الإدارية”، فإن هذا الكلام لم تختبر مصداقيته من عدمها في ظل صمت المحافظة العامة بالرباط عن حيثيات وأسباب القرار.
فإذا كانت هاته الاتهامات صحيحة فإنها تندرج في خانة “التقصير” وحينها يترتب عنها جزاءات حسب قانون الوظيفة العمومية.
أما إذا كانت مجرد كيل للاتهام دون دليل ملموس، فإنها لا تعد أن تكون مسرحية رديئة الإخراج بهدف إجراء تغيير إداري في منصب لا يتخذ القرار وحده في نهاية المطاف، بل يستند على وثائق وشهادات تصدرها إدارات أخرى متدخلة بشكل مباشر ملف التحفيظ العقاري، ويتعلق الأمر برئيس الجماعة، ورجال السلطة من القياد، والوكالة الحضرية، ووكالة حوض اللكوس، وشركة أمانديس لتوزيع الماء والكهرباء.
تخبط وسوء تدبير وخدمات بعيدة عن الرقمنة
هذا وتعيش المحافظات العقارية على وقع احتقان كبير وسط موظفيها، بسبب ضعف التحفيزات، ورتابة العمل، وضعف الترسانة القانونية والمالية لحماية الموظفين من الإغراءات والضغوطات.
وتجدر الإشارة إلى أن مداخيل التحفيظ العقاري والمسح الخرائطي أنعشت خزينة الدولة بـ 500 مليار خلال سنة 2023، لكن خدماتها رديئة ومكاتبها مهترئة ومقراتها في الغالب مكترية كما هو الحال في مدينة طنجة.
ويشتكي المرتفقون من بطء الإجراءات الإدارية لأسباب موضوعية مرتبطة بالعنصر البشري والشروط البئيسة التي يشتغلون فيها، في وقت تظل رهانات استعادة ثقة المواطنين والمستثمرين وتعزيز كفاءة الخدمات وتكريس الشفافية، مجرد شعارات جوفاء لا تجد صداها على أرض الواقع الذي لا يرتفع.
ورغم تغني المحافظة العقارية في إعلاناتها الدعائية برقمنة الخدمات، إلا أن مراحلة إيداع وتتبع مآلات إجراءات التحفيظ ما يزال يتم بطريقة يدوية، حيث يتعين على المرتفق انتظار الأعوان يبحثون عن نسخة الملف الأصلي بين مئات الملفات في رفوف الأرشيف، من أجل معرفة المرحلة التي وصل إليها الاجراء، عوض اأن تكون المعطيات محوسبة في النظام المعلوماتي!!
حري بالذكر، أن إنهاء مهام ثلاثة مدراء متتالين للمحافظة العقارية بطنجة خلال فترة قصيرة، لا يعكس فقط التحديات التنظيمية والإدارية التي تواجهها المؤسسة، وإنما يترجم التخبط وسوء التدبير لإدارة حيوية مرتبطة بصون حقوق الناس وأملاكهم سواء كانوا أفرادا أو شركات أو جماعات سلالية في القرى والمدن المغربية.
Discussion about this post