كتب الصحفي عصام واعيس، صاحب نشرة أفق، تحليلا رصينا يفكك فيه أبعاد قرار مجلس الأمن الداعم لمقترح الحكم الذاتي للصحراء الذي تمت المصادقة عليه يوم الجكعة 30 أكتوبر المنصرم.
وأشار عصام واعيس، في تدوينة على صفحته الشخصية بمنصة فايسبوك، أن الملك محمد السادس حقق اختراقا دبلوماسيا سيمثل لحظة فارقة في سجل حكمه. جمع كلمة الكبار على “الحكم الذاتي” ولا شيء غير الحكم الذاتي.
الحكم الذاتي يعني مبدئيا حكومة وبرلمانا وإدارة خاصة بجهة الحكم الذاتي تشرف على الاستثمارات والشرطة المحلية وعمل الإدارة، مع احتفاظ المغرب بمقومات السيادة (الجيش والعملة والنظام القضائي والنشيد الوطني والعلاقات الخارجية واختصاصات الملك الدينية والدستورية..)
هذا “فتح جديد” بتعبير الملك، لكنه بداية “مسار” و”مرحلة” الفرق بينها وبين المراحل السابقة أنها تناقش تفاصيل الحل لا صيغة الحل. وتناقشه بفلسفة “الوطن غفور الرحيم” التي تضمنها خطاب الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة المسيرة الخضراء سنة 1996.
هناك استعادة رمزية لهذه الفلسفة في حديث الملك عن “إخوتنا في تندوف”، و”جمع الشمل” بمنطق “لا غالب ولا مغلوب”.
حين اعترفت واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه في 10 ديسمبر 2020، كان السؤال الأساس: ما قيمة هذا الاعتراف إذا لم ينعكس في قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء؟ خاصة أن واشنطن هي حاملة القلم؟
وظل هذا السؤال المؤرق أكبر سيف مسلط على عمل الدبلوماسية المغربية في هذا الباب. فأي معنى لاعتراف بلا عائدات ولا حسم ولا دفاع عن الحكم الذاتي المغربي؟
اليوم ظهر هذا العائد ورُفع الحرج عن الرهان المغربي على ترامب وإدارته (لم تتراجع إدارة بايدن عن الاعتراف بمغربية الصحراء لكنها لم تسندها بخطوات أخرى).
الآن سيقدم المغرب تفاصيل الحكم الذاتي “الحقيقي” الذي يعد به، وستعطي البوليساريو رأيها في تلك التفاصيل. والشيطان يكمن في التفاصيل.
وأفترض أن أول ردة فعل من الجزائر والبوليساريو هي إطالة أمد النزاع لكن هذه المرة باللعب في ملعب المغرب، عبر المطالبة بشروط غير معقولة ولا واقعية..
أفترض أن تتشكل مناورة للخروج بأقرب صيغة ممكنة لل”جمهورية” من داخل عباءة الحكم الذاتي! أو ترك هذا الحل نفسه معلقا لعقود قادمة، بدعوى مثلا أنه”صوري” ومجلس الأمن تحدث عن حكم ذاتي “حقيقي”..
مسؤول الشؤون الخارجية في البوليساريو، محمد يسلم بيسط، لا يقول هذا الكلام. سبق أن صرّح لوكالة الأنباء الفرنسية أن الحركة “قد تقبل بالخطة المغربية” شرط أن يصادق عليها “الشعب الصحراوي” عبر استفتاء.
وهذا التصريح يعني أن الحركة تفهم توازنات القوى الحالية وعمليا تقبل بالخطة المغربية، لكن التفاصيل هي التي ستحدد صدق النوايا من عدمها.
ماذا سيفعل المغرب إذا ظهر أن الجزائر تريد الاستمرار في اللعبة نفسها وإن وفق قواعد جديدة؟ أفترض أن لدى الدبلوماسية المغربية سيناريو جاهز للتعامل مع هذا الأمر..
لكن، من موقعي محللا، أفترض ببساطة أن الحليف الأمريكي الذي أجبر الجزائر على التخلي عن دور حجر العثرة سيجبرها على قبول ما يقترحه المغرب، لأن أمريكا ببساطة هي التي تكتب تلك القرارات في هذا الملف.
ولا شيء يمنع المجلس الذي أقرّ اليوم الحكم الذاتي أساسا وحيدا، من أن يعطي غدا الضوء الأخضر لتنفيذه، ويتحوّل من بقي من الحركة في تندوف إلى مشكلة جزائرية..
وطبعا لا شيء في العالم خارج المصالح، فسند من هذا الحجم للمغرب يعني أن المملكة تضمن مصالح الحلف الغربي أكثر مما تضمنها باقي البدائل: حرب مدمرة أو استمرار وضع الجمود أو بالأحرى “جمهورية وهمية”!
يعني بحساب الكلفة والخسارة، القوى الكبرى ترى أن التفاوض على مصالحها مع المغرب مربح أكثر وأقل كلفة وأكثر واقعية.
رغم ذلك، بعض هذه المصالح قد تكون مجحفة في حق المغرب نفسه، مثل تفويت صفقات لشركات فرنسية دون منافسة أو تخويل شركات بريطانية أو أمريكية امتيازات.
لكل شيء ثمن، والشطارة هنا، من الجانب المغربي، في ألا تدفع كثيرا مقابل حقك الطبيعي وترابك المشروع.
حاليا، ومبدئيا، انتقل الملف من وضع الجمود إلى سكة حكم ذاتي يضمن تقرير المصير لإخواننا في الصحراء داخل دولتهم وترابهم المغرب، دون قطيعة ولا إجحاف.
هذا سيعني تفصيلا في الصلاحيات لإقناع العالم بأن الحكم الذاتي يستوفي الشروط عند المقارنة مع تجارب أخرى، وأحد أهم هذه الشروط سيتمثل في تحقيق تقدم فعلي على سكة الديمقراطية والحريات.
الحكم الذاتي كما هو معلوم سيتطلب تعديل الدستور وحين سيبدأ سينتج ثقافة سياسية جديدة في اتخاذ القرار العمومي، وسينافس الدولة المركزية، وسيصير محل مقارنات..
يجب أن تكون الدولة المركزية متفوقة بقوة قراراتها في سلم الديمقراطية والإبداع والشفافية والحرية والنزاهة..
عصام واعيس





















Discussion about this post