طنجة : الحماية الجنائية للأطفال بين جدية قرارات القضاء الواقف و ( تساهل) قضاء الحكم.
قضية لينة نموذجا.
موجز وقائع القضية :
في غضون شهر يوليوز من سنة 2024 تعرضت الطفلة لينة لاعتداء بدني و لفظي من طرف عمتها و ابنة عمتها أسفر على جروح على مستوى عنقها و تكسير نظارتها الطبية نقلت على إثرها إلى مستشفى محمد الخامس بطنجة قصد تلقي العلاجات الأولية و تسلمت شهادة طبية مدتها تفوق 21 يوما قابلة للتمديد.
بعد تقديم شكاية في الموضوع للدائرة الأمنية الثانية و إجراء البحث مع المشتكى بهما قرر السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بطنجة تقديمهما للمثول أمامه ليقرر بعد ذلك متابعتهما معا في حالة سراح من أجل جنحة العنف في حق قاصر.
أحيل الملف على المحكمة الابتدائية بطنجة و بعد جلستين قرر السيد وكيل الملك متابعة العمة المتهمة بجنح أخرى هي السب و الشتم و القذف و التحريض على ارتكاب جنايات و جنح بالوسائل الإلكترونية و السمعية و البصرية و التحريض على الكراهية بين الأشخاص بعدما تبين له وجود وقائع تبرر المتابعة بناء على محضر تفريغ مجموعة من تسجيلات الفيديو و التسجيلات الصوتية لمجموعة من المحادثات و بناء على تصريحات المتهمة نفسها التي تقر فيها بإرسالها للقاصرة بواسطة تطبيق الواتساب تسجيل فيديو لبرنامج تحت عنوان الصندوق الأسود – أكلونا لحم و رمونا عظم – ما مصير عملاء إسرائيل-.
المحكمة بعد عدة جلسات قررت في آخر جلسة اعتبار القضية جاهزة رغم عدم حضور جميع الشهود و اكتفت بحضور شاهدة واحدة هي أخت للمتهمة و بعد سماع مرافعات جميع الأطراف تم حجز القضية للتأمل و الحكم ببراءة المتهمة من جميع ما نسب إليها و بعدم الاختصاص للبت في المطالب المدنية المقدمة من طرف القاصرة و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان و هو الحكم الذي كان محل طعن بالاستئناف من طرف النيابة العامة و جميع المطالبين بالحق المدني.
لماذا الطعن في الحكم بالاستئناف من طرف دفاع القاصرة ؟
بداية كان الحكم مفاجئا و صادما للقاصرة و أسرتها و هيئة دفاعها بالنظر لاقتناع الجميع بثبوت جميع الأفعال موضوع المتابعة بمقتضى أدلة و قرائن قوية لم تستطع المتهمة دحضها و اكتفت بالإنكار فقط و بالرغم من تناقض تصريحاتها و فيما يلي بعض الأدلة الموجودة بالملف و التي تجاهلها القاضي المصدر للحكم :
1-تقديم أخت المتهمة الاعتذار لوالدة القاصرة نيابة عن أختها.
2- عرضها الصلح على والدة القاصرة.
3- تصريحها بأن أختها المتهمة لم تقل الحقيقة في معرض تصريحاتها للشرطة بعد استشارتها للعديد من الأشخاص الذين نصحوها بتبني الأقوال التي أدلت بها للشرطة.
4- محاولتها إيجاد مبرر لعدم اعتذار المتهمة و والدتها .
5- عدم جوابها على كلام والدة القاصرة بشأن واقعة الاحتجاز و العنف وعدم تدخل الجدة رغم معاينتها لذلك.
6- محاولتها إيجاد مبرر لأختها المتهمة بكونها مريضة.
7- إقرارها بواقعة سابقة للعنف المرتكب في حق القاصرة من طرف المتهمة.
8- إقرارها بوقائع هذه القضية بقولها “معندهاش الحق ” بعد حديث والدة القاصرة عن واقعة الاحتجاز و العنف.
9- إقرارها بضرب أختها للقاصرة بقولها أن شقيقتها فعلا أخطأت بضرب إبنة شقيقها وذلك بواسطة عدة عبارات لها نفس المعنى منها عبارة “أصلا غلط أنها تمد يدها عليها”.
10- إعتذار أخ المتهمة لوالدة القاصرة عما بدر من شقيقته.
11- إخباره لوالدة القاصرة أن أخته المتهمة ترغب في الاعتذار.
12- تصريحه بأن المتهمة كانت تطالب الضحية و أختها بالتوبة إلى الله بواسطة العنف بقوله * إذا ما عملا والو والو أجي أولادي خصكوم توبوا الى الله و خصكم … شكون نتينا …..تجيف عايلة ستيتوا و تضربها و تحاما عليها نتينا و بنتك ……*
13-تصريح المتهمة أمام الشرطة بأنها فعلا أرسلت فيديو للقاصرة عنوانه * الصندوق الأسود أخذونا لحم و تركونا عظم …ما مصير عملاء إسرائيل*.
14- تسجيل فيديو يتبين من خلاله صراخ والدة القاصرة أمام منزل جدتها بعبارة “افتح خرج لي ولادي” وابنتها خلف جدتها وهي تقول “اماما جيفوني” كما تظهر القاصرة خارجة من البيت مكان الاعتداء و على عنقها آثار جروح واضحة و هي في حالة بكاء هستيري.
15-صدور حكم ابتدائي في قضية أخرى يشير في تعليله بثبوت مشاركة المتهمة في الاعتداء البدني على القاصرة.
تلك بعض الأدلة و القرائن القوية المثبتة لارتكاب المتهمة جميع الأفعال المنسوبة إليها فضلا على تصريحات القاصرة المتواترة و تصريحات أختها التي كانت متواجدة بعين المكان.
رغم كل ذلك كانت المفاجأة بصدور حكم بالبراءة و هو حكم غير مقنع بالنظر لما سطر أعلاه و أقل ما يقال عليه أنه حكم خاطئ و يضرب في الصميم السياسة الجنائية الهادفة إلى حماية الأطفال من جميع أنواع العنف سواء كان بدنيا أو نفسيا و يعارض التوجه القضائي الهادف إلى تكريس حماية خاصة للأطفال ضحايا العنف استنادا إلى القانون و إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة و لا يمكن أيضا أن يصدر بناء على الاقتناع الصميم للقاضي لأن المنطق القانوني يفترض بأن الاقتناع الوجداني للقاضي في هذه القضية يجب أن يكون متجها نحو الإدانة و ليس البراءة و إذا كان المشرع قد سن مقتضيات قانونية خاصة بحماية الأطفال تلك المقتضيات التي ارتكزت عليها النيابة العامة في المتابعة بالإضافة إلى وقائع القضية و تصريحات الأطراف و الأدلة التقنية الموجودة بالملف فإن قضاء الحكم لا يمكن له الارتكاز فقط على القناعة الوجدانية للقول بعدم ثبوت التهم و تبعا لذلك المس بمبدأ عدم الإفلات من العقاب و المس بحق الضحية في رد الاعتبار بإصدار حكم منصف و عادل.
لذلك فإن والدة القاصرة عازمة على توجيه تظلم في الموضوع لجميع الجهات المختصة و خاصة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية و عازمة أيضا على عقد ندوة صحفية بتنسيق مع هيئة الدفاع لبسط عيوب حكم القاضي بالبراءة و بسط وسائل الاثبات على أنظار الرأي العام المتتبع لهذه القضية بالصوت و الصورة و تمكين كل مهتم بوثائق الملف المعتبرة بمثابة أدلة و قرائن قوية على ثبوت الأفعال موضوع المتابعة .
الأستاذ عبد المنعم الرفاعي
*محام بهيئة طنجة*

















Discussion about this post