ثغرات قانون المسطرة المدنية التي جاء بها الوزير عبد اللطيف وهبي
لو كان لوزير العدل – وفي الحقيقة للسياسيين المغاربة عموما – اهتمام بالتواصل السياسي لطرح موقفه من الفساد بنبرة أخرى وقبلناها، مثل: “لو كان الفساد رجلا لقتلته”.
قياسا على مقولة “لو كان الفقر رجلا لقتلته” فالقائل هنا (عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما) يعبر عن روح فاعلة في مواجهة عدو متفلّت وضبابي.
هذا الفقر/الفساد الذي يأكل حق الناس بالباطل يستحق القتل والتدمير.. هذه هي الرغبة الوحيدة الممكنة تجاهه..
أما كلام من قبيل “من رآى منكم الفساد.. فليعكّر لي”، فلا ينم عن رغبة في أي شيء غير قتل العزائم!
وزير العدل يرى أن الوزير في الحكومة مجرد “يتيم في مأدبة اللئام”. لا حول له ولا قوة. ويرى أن رئيسه في الحكومة محافظ ويعرقل مشاريعه “التقدمية”، وهو مستعد فقط ليضع “أحمر الشفاه” على فمه إذا ثبت أن أحدا رأى الفساد من قبل!
وزير العدل السابق، المصطفى الرميد، رأى الفساد والمنكر في المسطرة الجنائية التي خرجت قبل أسابيع قليلة وفي عهد وهبي. رآه في المادة 3 والمادة 755 والمادة 116-1، بل، “بفضل” هذه المسطرة، ستصير الأمم المتحدة زرقاء اليمامة.. ترى الفساد في المحاكمات في المغرب من مسافة أميال بحرية..
“الفساد له قوة وله نفوذ وباستطاعته أن يؤثر على التشريع ويستصدر تشريعات تحصنّه” يقول الرميد تعليقا على المادة 3 التي تحرّم على النيابة العامة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام إلا بناء على إحالات من مؤسسات وهيآت الدولة.
وللمفارقة واحدة من هذه الهيآت هي الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها التي قال رئيسها السابق عبد الجبار الراشدي إن الفساد يكلف المغرب 50 مليار درهم سنويا، وتندّر به وهبي وبأرقامه وكلامه في لقائه مع النواب لمناقشة ميزانية الوزارة.
المادة 116-1 فيها مس خطير بالحق في الحياة الخاصة بما أنها تسمح بالتقاط وتثبيت وبث وتسجيل الصور والمعطيات الإلكترونية وتحديد المواقع في أماكن خاصة وعامة “للمشتبه فيهم”، بإذن “كتابي معلل” من الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق.
من قبل، وهذا مربط الفرس حسب الرميد، مجرد “التقاط المكالمات” كان يتطلب أن يطلب الوكيل العام للملك إذنا من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف!
الآن كل تلك الإجراءات المنصوص عليها يمكن إنجازها بمقرر كتابي معلل من الوكيل العام أو قاضي التحقيق إلى الشرطة القضائية دون الحاجة لإذن من الرئيس الأول.
أما المادة 755، فهي الوجه الآخر لتلاعب تشريعي واضح حسب الرميد، ونوع من “عطيني نعطيك” بين مواد القانون بتعبيري (وليس تعبير الرميد)، لأنها تفرغ مادة أخرى من مضمونها.
يتعلق الأمر بالمادة 66 – 3 التي تنص على إنجاز تسجيلات سمعية بصرية للمشتبه فيه “في الحراسة النظرية أثناء قراءة تصريحاته المضمنة في المحضر ولحظة توقيعه أو إبصامه عليه أو رفضه”.
كيف؟ هذه المادة تنتهي بهذه العبارة: “تحدد بنص تنظيمي كيفيات إجراء التسجيل السمعي البصري”.
ثم تأتي المادة 755 لتخبرنا بأن تسجيل المشتبه فيهم صوتا وصورة سيبدأ في المغرب بعد خمس سنوات من صدور النص التنظيمي! (الذي لا نعلم متى سيصدر هو نفسه حتى نبدأ احتساب السنوات).
هذا ما يقرأ فيه الرميد “تلاعبا تشريعيا وضحكا على الذقون” وضربا في شروط المحاكمة العادلة.
وزير العدل الحالي، عبد اللطيف وهبي، هو صاحب هذه الفتوحات الجديدة، وهو من سحب قانون الإثراء غير المشروع من البرلمان، ومرت في عهدته أكثر اختبارات الأهلية لمزاولة المحاماة إثارة للجدل، ولولا تدخل المحكمة الدستورية لراكم “إنجازا تشريعيا” آخر في المسطرة المدنية..
كيف نفهم إذن فكرة “من رآى منكم الفساد.. فليعكّر لي”!
تضع نظارات شمسية على الفساد ووشاحا وشعرا مستعارا وقبعة و”صن سكرين” و”مواد” سامة، ثم تتحدّى من يشير إليه بالبنان؟
عبد الإله بنكيران كان يقول بفكرة وهبي نفسها مع اختلاف في الطرح، كان يعبر عن الفساد بالتحكم والتماسيح والعفاريت أي يرسم له “بورتريه روبو” كما ينطبع في ذهنه.
بنكيران كان يحاول وضع اسم ورمز وشعار لحزب الفساد، كما وضع له الاتحاد من قبل اسم “جيوب المقاومة” أو “القوة الثالثة” التي تحدث عنها محمد بنسعيد آيت إيدر رحمه الله في مذكراته.
المغالطة في سؤال وهبي الاستنكاري في المسلّمة الضمنية فيه، أي تصوّر الفساد في شكل مادي وجسم معين، ومن ثم تحدي من يشير إليه، وإلا فالفساد منظومة من القوانين والتشريعات والمصالح والتواطؤات والأشخاص.
وكل ضربة توجه لركن من أركان هذه الشبكة هي ربح للناس وهزيمة للفساد، وليس المطلوب أن تربح المعركة المطلوب ألا تستلم أو تستقيل إذا عجزت!
*أشار الرميد إلى نقاط إيجابية في المسطرة الجنائية، أنصح بمشاهدة المداخلة الكاملة له.
بقلم الصحفي عصام واعيس


















Discussion about this post