خلفت خرجة عبد الإله بنكيران التي وصف فيها صحاب تازة قبل غزة بـ الميكروبات ضجة كبيرة، رد عليها الفنان رشيد الوالي، وتفاعل معها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الوقت الذي يُمنح فيه الفنان، وعلى رأسهم السيد رشيد الوالي، كامل التبرير حين يُجسّد مشاهد من الانحراف أو العنف أو الخيانة الزوجية أو حتى احتساء الخمر على الشاشة، ويُقال عن ذلك إنه “تمثيل” و”فن يعكس الواقع”، ويُدافع عنه تحت شعار: “الفن مرآة المجتمع، ونحن لا نشجع السلوك بل نعرضه”… يَستنكر هذا الفنان ذاته أن يستعمل سياسيٌّ، في لحظة انفعال وصدق، عبارات قوية في مواجهة من قال “كلنا إسرائيليون” أو “تازة قبل غزة”.
فبأي منطق يُمنح الفنان كل هذا الهامش التعبيري باسم الإبداع، ثم يُطلب من السياسي – الذي يواجه القضايا في واقعها لا على شاشة – أن يزن كلماته وكأنه في حفل توزيع جوائز؟ هل نطالب الفنان بأن “يُبشّر” عبر أدواره أم نتركه يُجسّد واقعًا فيه كل القبح؟ إذًا، لماذا لا نمنح السياسي نفس الهامش حين يعبّر عن موقف أخلاقي وإنساني واضح تجاه من فقدوا البوصلة الأخلاقية وتماهوا مع جلّاد الأمة؟
عبد الإله بنكيران لم يقل “كل المغاربة حمير” ولا “كل من يختلف معي ميكروبات”. لقد استعمل هذه العبارات لتسمية الانحرافات بأسمائها، حين فَقَدَ البعض كل حسّ وطني أو إنساني، واعتبر نفسه في خندق الاحتلال الصهيوني، وهو يرى المجازر تُرتكب في غزة ورفح وخان يونس. أليس من الحق – بل من الواجب – أن يُسمّى هذا الانحراف بما يليق به من شدة؟ أم أن الكلمة القوية ممنوعة إلا إذا قيلت من خشبة المسرح أو من خلف الكاميرا؟
بل إن التناقض الصارخ هو أن الفنّان، الذي يُقنّن الشتائم على الشاشة، ويُبرّر “النزوة” في السيناريو، ويُبيح كل القبح بدعوى تجسيد الواقع، يُطالب السياسي بالأدب الزائد عن الحد، حتى حين يكون بصدد الدفاع عن قضية الأمة المركزية!
وإذا كنا سنُحاسب بنكيران على كلمته، أفلا يجب أن يُسأل الفنانون أيضًا: ما الرسائل التي تُمررونها تحت ستار “التمثيل”؟ كم من مشهد خادش يُعرض على الأسر المغربية ويُبرر بالفن؟ كم من جملة مبتذلة، أو إيحاء ساقط، يُقال عنها إنها “جرأة فنية”؟ فلماذا تغضبون إذًا حين تكون “الجرأة” سياسية وملتزمة لا مُبتذلة؟
الفن الحقيقي – مثل السياسة الشريفة – يجب أن يكون في خدمة الوعي لا في تجميل الواقع أو تبرير الانحراف. عبد الإله بنكيران، حتى حين استعمل كلمة “الحمار”، لم يكن يُجسّدها كما يُجسدها ممثل على الشاشة، بل كان يُدين بها مسلكًا منحطًّا في التفكير، ويُطلق صرخة تحذير أمام تسطيح القيم وانقلاب الأولويات.
فمن باب الإنصاف، إذا كان للفنان أن يقول: “أنا لا أُشجّع هذا السلوك بل أُجسّده لنعرفه ونرفضه”, أفلا يحق لبنكيران أن يقول: “أنا لا أُهين أحدًا، بل أسمّي من انسلخ عن ضميره بما يستحقه، ليوقظ غيره من الغفلة”؟
الازدواجية في المعايير لا تُنتج وعيًا. ومن كان صادقًا في حب هذا الوطن، فليزن الجميع بميزان واحد: الفن والسياسة معًا، بقدر ما يمنحان الناس رؤية، عليهما أن يتحمّلا كلفة الصراحة.
الكاتب عبد الغني بنعزوز
Discussion about this post