هشاشة البنية السكنية تطفو على الواجهة بالمغرب في ظل التغيرات المناخية
في ظل تنامي آثار التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، تلوح في الأفق أزمة جديدة تهدد قطاع السكن بالمغرب. ولا تتعلق هذه المرة بندرة الأراضي أو غلاء العقار، بل بهشاشة الأبنية ذات الكلفة المنخفضة. وخاصة تلك المصنفة ضمن فئة “السكن الاقتصادي”.
وقد تتحول هذه الأزمة في السنوات المقبلة إلى عبء عمراني واجتماعي ثقيل، وفق ما حذر منه المدون والباحث يوسف سعود في تدوينة تداولها عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
ونبه سعود، وفي معرض تحليله للوضع، إلى أن عددا من الشقق والمنازل التي شُيّدت خلال السنوات الأخيرة بأقل التكاليف، لا تراعي في بنيتها العمر الافتراضي للمواد المستخدمة في ظل ارتفاع الحرارة وتغير الظروف المناخية.
وهو ما يعني أن هذه الوحدات مهددة بفقدان متانتها في وقت أقصر مما خُطط له، ما سيترتب عنه كلفة صيانة مرتفعة لا تتماشى مع القدرة الشرائية لأغلب الأسر المغربية، مما سيخلّ بتوازن ميزانياتهم الهشة أصلا.
ويحذر المتحدث من أن هذا السيناريو قد يقود، مستقبلا، إلى تكرار نماذج الانهيارات البنائية التي كانت تُسجّل سابقا في الأحياء العتيقة، لكن هذه المرة في مشاريع سكنية حديثة يفترض أن تستجيب لمعايير السلامة والمتانة.
والسبب، حسب نفس المصدر، هو غياب الالتزام بمقاييس دولية دقيقة تحدد العمر الافتراضي للمواد الإنشائية وفق تغيرات الطقس والمناخ.
وأشار سعود إلى مفارقة لافتة، مفادها أن العديد من أحياء المدن القديمة، رغم أنها شُيّدت قبل عقود ودون مراقبة تقنية صارمة، إلا أن المواد التقليدية التي استُخدمت في بنائها كانت طبيعية وصديقة للبيئة. وهو ما منحها قدرة أكبر على الصمود عبر الزمن مقارنة بالبناء الحديث ذي الكلفة المنخفضة.
وفي الجانب المرتبط بحكامة التعمير، تساءل سعود عن غياب آليات رقابة مجتمعية في عمليات الترخيص للمشاريع العقارية الكبرى بالمغرب، في مقابل ما يجري في دول أخرى كأمريكا، حيث يُشترط، حسب قوله، فتح مشاورات مع الساكنة المجاورة لأي مشروع سكني جديد، وإجراء جلسات استماع علنية تأخذ بعين الاعتبار مصالح السكان والمدارس والمرافق العمومية، قبل اتخاذ القرار بالبناء.
وتساءل سعود بلهجة ساخرة: “في أمريكا، بإمكان مواطن واحد أن يرفض بناء مشروع سكني إذا قدم مبرراته المنطقية، بينما في المغرب، من يستطيع أن يوقف مشروعا ضخما لواحد من كبار المنعشين العقاريين؟” يتساءل سعود بلهجة ساخرة.
وشدد على أن فتح تحقيق معمق في هذا الموضوع من شأنه أن يكشف “كارثة كبيرة” على حد تعبيره، ستكون تداعياتها أعمق مما هو ظاهر للعيان.
ويعيد هذا النقاش إلى الواجهة الحاجة إلى مراجعة السياسات العمومية في مجال السكن، والتفكير الجدي في إدماج الأبعاد البيئية والمجتمعية ضمن رؤية مستدامة للتعمير، قبل أن تتحول الأزمة المناخية إلى أزمة عمرانية يصعب احتواؤها.
Discussion about this post