إيكو بريس من طنجة
بخلاف نماذج الماكيطات الجذابة في اللوحات الإشهارية لمشروع “غولف مسنانة” السكني، التابع لمجموعة “أبا عقيل” العقارية، فإن واقع الحال مختلف كثيرا عن رسومات التصاميم على الورق، فعلى الرغم من أن المشروع ما تزال بعض أشطره في طور البناء، إلا أن اكتمال أكثر من 50 بالمائة من البنايات المشيدة على مساحة تزيد عن 32 هكتارا، وفق المعطيات التي توصلت إليها صحيفة “إيكو بريس”، يجعلها نسبة كافية لتقييم المشروع.
في هذا الروبورتاج نتوقف عند خمسة أشياء سلبية في المجمع الكائن بين حي الرهراه، ومسنانة، كما رصدتها كاميرا الموقع، وكما روتها شهادات المالكين الذين تسلموا مفاتيح السكن في الأشطر المنتهية، والتي تتعدى 15شطرا، بمجموع إجمالي يتوقع أن يصل إلى 3 آلاف شقة، وعشرات المحلات التجارية.
ورغم أن أصحاب المشروع اقتنوا الأرض العارية بثمن بخس قبل أزيد 10 سنوات، فإن أسعار الشقق ذات المساحة المحددة في 60 مترا مربعا، تراوحت ما بين 25 مليون سنتيم (لي شاري فالبلان)، وما بين 35 مليون سنتيم، ( كل زبون وزهرو فالتفاوض مع مكتب البيع)، وهو سعر السوق على كل حال، والذي موجه في الأصل إلى الفئات الاجتماعية، لكن دخول المضاربين على الخط، يرفع الأثمنة فوق القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود.
صعوبة الولوجيات
يجد سكان الأشطر الأولى من المجمع المذكور، وخصوصا العمارات المتواجدة ما بين رقم 2 و العمارة رقم 32 التي تطل على جهة حي الرهراه، صعوبات كبيرة في الولوجيات إلى المجمع، سواء القادمين من مدارة مجمع قواسم، أو من حي مسنانة، ذلك أن صاحب المشروع أنشأ المباني بمحاذاة طريق ضيقة لا يتعد عرضها 10 أمتار، وتضيق إلى أقل من 8 أمتار أمام العمارات 30 وما جاورها قبالة حمام العوامي، إذ في ظل افتقار المجمع السكني إلى مراكن تحت أرضية، باستثناء عمارات شطر “السكن المتوسط” فإن مئات القاطنين يركنون سياراتهم على جانبي الطريق وفوق الأرصفة، وبعضهم لا يجد حيزا حتى للوقوف، رغم أن المجمع لم يمتلئ بعد بالسكان، حيث سيصبح العثور على مكان لركن السيارات في الشارع مهمة شاقة، أما حركة السير منه فسيصبح مهمة مستحيلة.
غبار وأوحال
أكثر ما يثير انتباه الزائر للأشطر الأولى لمجمع “غولف مسنانة”، هو الأوحال والأتربة المنحدرة من الأزقة العليا في حي الرهراه، حيث تتسبب السيول الشتوية في ملأ الأرصفة والطريق بالأتربة والأحجار، والتي تصبح بعد أن يصبح الطقس صحوا، إلى غبار متطاير على النوافذ والشرفات، ويتضرر سكان العمارات 18 وما جاورها بنسبة أكبر من هذا المشكل.
لكن الأمر الأسوأ، هو بشاعة الشارع المجاور لعمارات الأشطر الأولى، حيث قال بعض السكان ممن تحدثوا إلى الموقع، “إن حظهم العاثر جعلهم يطلون على شارع مكتظ بمكبات عشوائية للأزبال، وكراجات عشوائية للنجارة، والحدادة، وتلحيم السيارات، وخدمات أخرى ملوثة ومزعجة في آن واحد.
كهوف تحت أرضية
من بين المآخذ المسجلة على مباني مجمع “غولف مسنانة”، أن مداخل العمارات، ضيقة وشاحبة للغاية، حيث يمكن لأي مواطن عادي أن يلاحظ “الشغل ديال الزربة” في الأعمال النهائية للإنشاءات، ومما يثير الكثير من علامات الاستفهام، هو أن عمارات الأشطر الأولى توجد بها شقق سكنية في طوابق تحت أرضية، حيث تفاجئ الملاكون بعد تسلم المفاتيح أنه يتعين عليهم عبور سراديب وأدراج تحت أرضية للوصول إلى أبواب شققهم، وهو ما دفعهم لكراءها للأغيار، للتخلص من خطر الإصابة بأمراض الربو، حسب وصف أحد سماسرة العقار الذي تحدث للموقع.
وإذا كانت أنشطة السكن الاقتصادي تهدف وفق أصحاب المشاريع العقارية إلى تعزيز العرض السكني في عاصمة البوغاز، فإن عدم احترام معايير السكن النموذجي وتكديس السكان حتى في شقق أسفل أرضية، يعاكس رهانات الدولة في الوصول إلى “سكن لائق ومستدام للعيش”، علما أن التراخيص المسلمة سمحت لمشروع “غولف مسنانة” باستغلال أكثر للبناء العمودي من أجل زيادة طوابق إضافية.
غياب أماكن نموذجية للنفايات
لعل أكثر ما يثير استغراب المهتمين بشؤون التعمير والبناء، هو عدم تخصيص أصحاب المشاريع العقارية الكبرى، لمساحة صغيرة تتوسط مجموعة من العمارت، لإنشاء أماكن نموذجية لحاويات النفايات المنزلية، ففي مدن جارتنا إسبانيا والتي يعرفها جيدا المستثمرون في مجال العقار، يلاحظ أن كل مجمع سكني يتوفر على أمكنة جميلة تستقبل حاويات نظيفة ذات ألوان مختلفة، حيث تتيح إمكانية الفرز الأولي لجميع أصناف النفايات المنزلية، الصلبة منها، والسائلة، والمواد العضوية، إضافة إلى المخلفات القابلة لإعادة التدوير… لكن بجوار المجمعات العمرانية في مدينة طنجة على سبيل المثال لا يلاحظ أي اهتمام بهذه الخدمات ذات البعد الجمالي والبيئي في نفس الوقت، حيث يترك الأمر للبلدية تغرق في بحرها، ويبقى المواطن يعاني الويلات مع القاذورات والأوساخ والروائح الصادرة عن مكبات الأزبال العشوائية.
سوق صغير الحجم
إذا كان يحسب للشركة العقارية التزمها بإنشاء سوق للقرب محاذي للمجمع، وذلك بهدف قطع الطريق مستقبلا على تجارة الرصيف، وأصحاب العربات المجرورة، فإن مهندسين خبراء أكدوا للموقع أن “الشغل بقي ناقصا” في ورش المرفق التجاري المذكور، حيث أن السوق لا يتوفر على مرافق صحية، ولا على منطقة خاصة بإفراغ السلع، كما أنه يتوفر على واجهة واحدة مفتوحة، وهو ما سيعقد عملية تنظيم ولوج المتبضعين وخروجهم في زمن التباعد الاجتماعي التي فرضته جائحة كورونا، كما أن صغر مساحة السوق، لن تكفي لتستقبل مختلف الأصناف التجارية المعروفة في الأسواق الشعبية، وهو ما يفتح الباب مشرعا أمام احتمال الفوضى وصعوبة التحكم في تنظيمه.
استنادا إلى كل ما سبق، يتبين أن الجوانب السلبية التي سلطنا الضوء عليها، تشترك في كونها تزيد أعباءا إضافية على إمكانات المدينة، من حيث مرافق السير والجولان، والركن والتوقف، وخدمات النظافة، ومسارات النقل والمواصلات، والتي لها كلفة كبيرة على خزينة الدولة عندما يتم التفكير في برامج لإصلاح النقائص والإشكالات الناجمة عن الكثافة العمرانية والاكتظاظ السكاني.
وفي انتظار استكمال المشروع يترقب الملاكون، ما إذا كان صاحب المشروع سيلتزم بتشييد مختلف المنشآت الاجتماعية التي تحصل على تراخيصها كما هو مبين في لوحة إعلانية بجوار مسجد “طه الأمين”، والمتعلقة بخدمات التمدرس، والأمن، والخدمات الإدارية، والتسوق، وحدائق اللعب والترفيه وغيرها.. (بعضها في طور البناء)، أم سيتم التحايل على بعض تلك المرافق كما تفعل بعض الشركات العقارية دون حسيب ولا رقيب.
Discussion about this post