إيكو بريس –
بقلم الدكتور الأمين الوهابي
لا شك أن الخطأ يعتبر من سمات الإنسان وأننا من الأخطاء نتعلم، ومع ذلك فإنه لا يسعنا إلا أن نتساءل هل يمكن أن يكون الخطأ طبيا ؟ وبمعنى آخر هل للطبيب الحق في أن يكون إنسانا عاديا ؟
ثم لماذا كل هذا التضخيم الإعلامي عبر أعمدة بعض الصحف وبعض منابر شبكات التواصل الاجتماعي والإسراع في إصدار الأحكام المسبقة قبل الحسم القضائي كلما تعلق الأمر بالحوادث الناتجة عن الفعل الطبي والعلاجي ؟
إن الطبيعة الفنية والإنسانية والأخلاقية للعملية العلاجية وحساسية الوسائل التقنية اللازمة لتقدير الخطأ الطبي وترتيب المسؤوليات تتطلب منا التعامل مع حوادث الفعل الطبي بكل عقلانية وحذر.
فالطب بالرغم من كل ما أوتي من تقدم تقني لا يمكن أن يكون إلا نسبيا ولا يمكنه أن يصنع المعجزات.
والخطأ الطبي الوارد حتى بين أمهر الأيادي الطبية لا يمكن اعتباره أكثر من خطأ مهني مع مراعاة وضعه في إطاره الصحيح والأخذ بعين الاعتبار لكل العوامل الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية والفنية التي يمكن أن تؤثر في العملية العلاجية.
لربما كان المشرع ذكيا عندما لم يتطرق إلى تعريف الخطأ الطبي وتحديد مفهومه وترك المجال واسعا لاجتهاد أصحاب الفقه القضائي الذين يمكنهم الاستعانة أو الاستئناس بآراء ذوي الخبرة.
ولكن هذا الفراغ القانوني يجعل القضاء أحيانا يستند على القانون الجنائي لأجل البث في القضايا وإصدار الأحكام.
أما المفهوم القانوني للمسؤولية الطبية للمعالج عن شخصه وعن مساعديه فهي تطرح عدة إشكاليات على مستوى تحديد الأساس القانوني الذي تقوم عليه عقديا كان أو تقصيريا. و في هذا النطاق يجب التفرقة بين الخطأ المادي الذي ليست له علاقة بالقواعد المهنية الطبية وأصولها وبين الخطأ المهني الذي يتصل بالأصول الفنية للمهنة والذي قد يكون يسيرا أو جسيما.
خلاصة القول أن الخطأ الطبي يدخل إذا في إطار الإخلال بالالتزام العام المفروض قانونا على كافة أفراد المجتمع وينعدم فيه عنصر القصد الجنائي وهو ناتج عن عدم التبصر أو عدم الاحتياط أو عدم الانتباه أو الإهمال أو عدم مراعاة النظم والقوانين.
والقانون اشترط مجموعة من الإجراءات القانونية قصد ضمان حقوق المريض وحماية الطبيب في حالة بذله كل الحرص اللازم واستعمال كل الوسائل المتاحة ما دام الفعل الطبي ملزم فقط بتوفير الوسائل وجميع الشروط الضرورية من أجل سلامة المريض ومن واجبه الاستعانة بجميع المعطيات العلمية والتقنية عند التطبيب ولكنه غير ملزم بالنتيجة وغير مسؤول عن المضاعفات والتصعيدات الجانبية والتعقيدات بما فيها نسبة صفر خطر الغير منطقية والغير موجودة وهو ما توثقه جميع الدراسات العالمية وأدبيات الطب الحديث.
وعلى المريض أن يتحمل مسؤوليته عند اتخاد قرار إجراء تدخل علاجي أو جراحي أو إخضاعه لمناهج دوائية.
والحديث عن الخطأ يتطلب توفير ثلاثة عناصر علمية تثبته، وهي إثبات الخطأ بالتحقق من الضرر الناتج ثم قيام العلاقة السببية بينهما.
وهذا بطبيعة الحال لا ينطبق على المضاعفات الطبية الواردة في أدبيات العلوم الطبية والتي تهم كل التدخلات الدوائية والجراحية والتي لا يمكن تفاديها.
ثم إن أساس الخطأ الطبي يرتكز على معيارين أساسيين :
أولا: المعيار الموضوعي :
وهو مقارنة سلوك الطبيب مع طبيب مع فئة متوسط الحيطة والحذر مع مراعاة الظروف الزمانية والمكانية.
ثانيا : المعيار الشخصي :
والذي يأخذ بعين الاعتبار لما كان يجب على الطبيب فعله في الظروف التي أحاطت به.
بقي أن نشير إلى أنه إلى جانب الجهاز القضائي الذي خول له المشرع كل الصلاحيات للبث في المشاكل التي يمكن أن تطرحها الأخطاء الطبية وذلك في إطار ضمانات قانونية محددة، فإن أجهزة الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء بمجلسها الوطني ومجالسها الجهوية تمارس بحكم القانون اختصاصاتها الزجرية والتأديبية على كافة الممارسين لمهنة الطب وتحرص على عدم تجاوز النظم والقوانين المهنية والإخلال بها والمس بكرامة و شرف وقدسية مهنة التطبيب.
بقي أن نشير أنه يجب التفريق بين الغلط والخطأ (Faute / Erreur) والتأكيد على أن الحسم النهائي لا بد أن يمر عبر القنوات القانونية التي تحكمها الإجراءات والمساطير التي تضمن حقوق كافة المواطنين بما فيهم الأطباء والمرضى وعلى أن حسنات الطب أكثر من سيئاته وأنه لا يمكن اعتبار أي طارئ ناتج عن التدخل العلاجي خطأ طبيا بطريقة جزافية، وإلا فإن الأمر سينعكس سلبا على تقدم ميدان الطب في مجتمعنا.
كما وجب التذكير أن هناك الكثير من الآفات والحوادث التي تستحق الرصد والتحليل والمتابعة، نظرا لما تشكله من خطر حقيقي على حياة الإنسان وتحدث له أضرارا نفسية وعضوية واجتماعية جسيمة، أكثر مما يمكن أن تحدثها الأخطاء الطبية ونخص بالذكر حوادث السير والتدخين والمخدرات والتلوث…
ما أحوجنا إذا إلى إصدار مدونة حوادث الفعل الطبي على غرار مدونة حوادث السير ومدونة حوادث الشغل… وإن كان لا مجال للتطابق نظرا لحجم الخسارات البشرية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن حرب الطرقات من دون أن ننسى طابع حسن النية الذي يميز عمل الطبيب… لكي ينصف الكل، الأطباء والضحايا وذوو الضحايا وتعويضهم حسب مسطرة قانونية عادلة وواضحة.
وأخيرا فإن هذه المداخلة ليست دعوة إلى عدم مسائلة الطبيب بقدر ما هي محاولة لوضع العلاقة الإنسانية والأخلاقية بين الأطباء ومرضاهم في إطارها الصحيح مع ضمان حقوق وواجبات الطرفين وذلك للرفع من المستوى الصحي للمواطن المغربي.