حينما كان شباب حراك الريف يرفعون شعارات تطالب بإسقاط الفساد، كان جزء من الفساد المقصود ذاك الذي يضرب أطناب المشاريع العمومية في البلاد، حيث تقدم الإدارات العمومية أمام أنظار جلالة الملك تصميما هندسيا على الورق، وحين تكتمل الأشغال يكتشف عموم المواطنيني شكلا جديدا.
في الغالب يكون المشروع الجديد إما به عيوب تقنية بسبب التسرع والارتجالية في الإجراءات التنفيذية، أو يكون ناقصا من بعض المرافق الأساسية التي كان مقررا إنجازها حسب البطاقة التقنية الأولية للمشروع المؤدى تكاليفه من المال العام.
تحصل هاته النتائج في عدة مشاريع، رغم اختلاف مجالاتها قد تكون ثقافية، أو تجارية، أو صحية، أو طرقات وشوارع، أو تجهيزات رياضية.
يكاد هذا الوضع ينطبق على مشروع تشييد ملعب الحسيمة، الذي تضرب له هذه الأيام صحافة الطبل والغيطة والبندير كما لو أنه إنجاز معماري خارق للعادة. لكن أين تكمن الاختلالات ؟؟
فقد كان ملعب الحسيمة ضمن أزيد من 640 مشروع في برنامج الحسيمة منارة المتوسط، والذي رصدت له ميزانية ضخمة فاقت 3,9 مليار درهم.
فرق شاسع بين حقيقة الملعب في الأوراق والواقع !!
جاءت برمجة مشروع ملعب الحسيمة كمنشأة رياضية هي الأكبر في الإقليم الذي ظل مهمشا لعقود من الزمن، في إطار تنزيل برنامج “الحسيمة منارة المتوسط”، وهو مخطط التنمية المجالية لإقليم الحسيمة 2017-2019، بمن أجل إحداث الملعب الكبير داخل قرية رياضية تضم أيضا مسبحا أولمبيا وقاعة مغطاة.
تناهز تكلفة البرنامج 6.5 ملايير درهم، وفق تقديرات مصادر متطابقة، كانت نشرتها جريدة الصباح، أم تقرير المجلس الأعلى للحسابات فتحدث عن 3,9 مليار درهم، تتعلق ب 512 مشروع و عن 3 مليار درهم، اقل أنها تشكل 46 بالمائة من إجمالي الغلاف المالي، وهكذا يكون تقدير مصادر جريدة الصباح قريبا من الدقة.
ولأن برنامج منارة المتوسط يستهدف إعادة الاعتبار إلى الحسيمة وفك العزلة عن ضواحيها والعالم القروي، من خلال إنجاز العديد من المسالك والمحاور الطرقية، إلا أن التأخر في الانتهاء منه يضاعف من حدة القلق لدى سكان هذه المدينة الريفية.
ويتضمن المشروع بناء سد واد غيس( 1.3 مليار درهم)، وبرنامج تكميلي للطرق (400 مليون درهم) والطريق السريع (4 ملايير درهم)، و700 مليون درهم تخص التعويض عن نزع الملكية، و1.7 مليار درهم لتقليص الفوارق المجالية في العالم القروي.
بخصوص مكونات مشروع الملعب وطاقته الاستيعابية، كانت مندوبية وزارة الشباب والرياضة، قد أعلنت، عبر موقعها الرسمي، عن انطلاقة أشغال بناء الملعب في إطار المشروع الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس، حيث بلغت التكلفة الإجمالية لتشييده قرابة 250 مليون درهما (المصرح بها رسميا)، على أن تبلغ الطاقة الاستيعابية 35 ألف مقعدا، 400 منها خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
تضارب في الأرقام والمعطيات حول مشروع الملعب الكبير لمدينة الحسيمة يسائل الجهات المحلية المختصة، والتي تعاقبت على التدبير من إطلاق المشروع سنة 2015، فضلا عن تحديد مسؤوليات الشركات التي تكفلت بإنجاز المشروع ومدى ملاءمته لدفتر التحملات، علما أن الملاعب الكروية أضحت تستلزم معايير خاصة من أجل المصادقة على احتضانها للمسابقات القارية والدولية.
في 16 يونيو 2017، أعلنت وزارة الشباب والرياضة عملية فتح الأظرفة الخاصة بمشروع الملعب الكبير لمدينة الحسيمة، وفاز بصفقة الهندسة المعمارية شركة “Omnium Technologique”، وهو مكتب هندسي، مقره بالعاصمة الرباط، متعدد التخصصات يقدم الخدمات الفكرية اللازمة لإنجاز جميع المشاريع في مجال البناء.
فرق كبير بين صورة الملعب في الماكيط وبين الواقع
خلص تحقيق صحفي أنجزته قبل عامين جريدة الصحيفة الإلكترونية، إلى أنه باستثناء المظهر الخارجي للملعب الذي طابق “الماكيت” الأولي، فإن المنشأة الرياضة خرجت إلى أرض الواقع، تحمل معها عدة تشوهات، لا على مستوى الهندسة الداخلية أو حتى تطابقها مع متطلبات العصر، ما يحيل إلى طرح تساؤلات حول مسؤولية مهندسي المشروع الذي رصدت له ميزانية ضخمة ضمن مشروع تنموي للمنطقة ككل.
في سنة 2022، ظهر الملعب الكبير للحسيمة، وفق نفس المصدر، في حلة غير عصرية، لا على مستوى هندسة مدرجاته أو تناسق مظهره الداخلي مع الخارجي، ناهيك عن طاقته الاستيعابية المتواضعة مقارنة مع حجم المنشأة، والتي لا تضاهي حتى الملاعب الكبرى داخل المغرب وإفريقيا، رغم حداثتها.
في بطاقة تعريفية بإنجاز مشروع الملعب الكبير، تحدث المكتب عبر موقعه الرسمي، عن إنجاز ملعب كرة القدم سعته 13 ألف مقعد، مصادق عليه من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، وذلك عبر مساحة 22 ألف متر مربع.
لكن في شهر نونبر 2024 تعلن شركة صونارجيس المكلفة بتدبير ملاعب المملكة، عن افتتاح ملعب الحسيمة أمام الاستغلال الرياضية، حيث ستكون المباراة الأولى التي سيستقبلها، ذات بعد دولي تجمع منتخب جزر القمر ومنتخب مدغشقر، برسم تصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 2025 المقام بالمملكة المغربية.
المفاجأة هي الطاقة الاستعابية لمدرجات ملعب الحسيمة، ليست كما كان مقررا أول مرة عبر الموقع الرسمية لوزارة الشباب والريضاة أنذاك، والمتمثل في 35 ألف متفرج، حسب موقع ناظور سيتي ولا هو الرقم الذي تم تعديله فيما بعد في ظروف غامضة، وأسباب غير موضحة من الجهات الرسمية، ولا من سلطات عمالة الحسيمة,
ذلك أن الرقم المعلن حاليا لسعة المدرجات، تتمثل في 11 ألف مقعد ستكون متاحة أمام المتفرجين من جمهور الأندية والفرق التي ستزور ملعب منارة المتوسط؟
المجلس الأعلى يرصد اختلالات في منارة المتوسط
وكان المجلس الأعلى للحسابات فحص برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة “منارة المتوسط”، وذلك انطلاقا من دراسته للتقرير المعد من قبل المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، والذي تسلمه المجلس من الحكومة بتاريخ 3 أكتوبر 2017 طبقا لمقتضيات المادة 109 من مدونة المحاكم المالية.
وقد رفع الرئيس الأول للمجلس للحسابات، السيد إدريس جطو، إلى صاحب الجلالة نصره الله التقرير المنجز في هذا الإطار، باللغة الفرنسية، وقدم خلاصاته العريضة بين يدي جلالته يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2017.
التقرير وقف على وجود عدة اختلالات شابت تخطيط وتنفيذ المشروع، وألقى باللائمة على قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، مبينا أن الشروحات التي قدمتها هذه الأخيرة لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ هذا البرنامج التنموي.
لكن في المقابل، كانت التوصيفات جد لطيفة وناعمة في وصف تلك الاحتلالات، حيث اعتبرها التقرير أنها لا تندرج ضمن حالات غش أو اختلاسات مالية، موضحا أنه، على مستوى الحكامة، وعلى سبيل المثال، فإن اللجنة المركزية للتتبع، المكونة من المسؤولين الوزاريين المعنيين، لم تجتمع إلا في فبراير 2017، أي بعد حوالي 16 شهرا من توقيع الاتفاقية.وكان من بين أهم الخلاصات الموجهة في التقرير إيلاء انتباه خاص للمخاطر التي تهدد وكالة الشمال بالنظر الى الحجم الكبير للمشاريع التي أصبحت مكلفة بها، والسهر على أن يقوم كل طرف متعاقد معها بتحمل مسؤولياته فيما يخص تنفيذ وتتبع المشاريع المسندة للوكالة.
واعتبر المجلس األعلى للحسابات أن قرار تكليف الوكالة بإنجاز عدد كبير من المشاريع بمبلغ إجمالي يفوق 3 مليار درهم، أي 46 % من مجموع ميزانية يعرض تنفيذ المشاريع الى مجموعة من المخاطر من حيث التتبع والتكلفة البرنامج والآجال، بحيث يتساءل المجلس حول قدرة الوكالة على تنفيذ برنامج من هذا الحجم ينضاف إلى برامجها االعتيادية التي تنجزها في أقاليم الشمال األخرى، وذلك بالنظر إلى إمكانياتها البشرية المحدودة.
ويرى المجلس أن اللجوء المتسرع إلى خدمات الوكالة من طرف عدة قطاعات وزارية، كالتربية الوطنية والصحة والشبيبة والرياضة والثقافة والبيئة، يبقى غير مبرر ويعكس ميال نحو التملص من التزاماتها على حساب هذه الوكالة، وذلك بالرغم من توفر هذه الوزارات على القدرات الالزمة والخبرة الكافية إلنجاز مشاريع مماثلة يتم تنفيذها بصفة اعتيادية على الصعيد الوطني.
مهيدية ينتفض على التأخير والتعثرات
حين كان محمد مهيدية، واليا على جهة طنجة تطوان الحسيمة، انتفض في وجه العديد من المسؤولين الجهويين والإقليميين، خلال الاجتماع، الذي عقده معية فؤاد شوراق، عامل الحسيمة، وعمر مورو، رئيس الجهة، ومنير بويسفي، المدير العام لوكالة تنمية أقاليم الشمال.
وحسب مصادر الصباح، فإن الوالي مهيدية حينئذ طلب توضيحات بشأن تأخر أشغال منارة المتوسط، وبطء وتيرتها، خصوصا بالمسبح الأولمبي والقاعة المغطاة والملعب الكبير بالقرية الرياضية أيت قمرة، إضافة إلى المركز الاستشفائي.
Discussion about this post