* محمد الحاجي
في عشية الثامن من شهر يونيو 1990 , جلس المغاربة أمام شاشة قناتهم الوطنية ليتابعوا حفل افتتاح كأس العالم بإيطاليا .. كان الجميع هناك بملعب ” سان سيرو ” بضواحي ميلانو .. نجوم الرياضة و السياسة و المال اعتلوا منصة مدرجات الملعب الضخم الممتلئ عن آخره بالجماهير .. حتى البابا يوحنا بولوس الثاني ترك معبده في الفاتيكان و جاء يجر تلابيب جلبابه الأبيض ليحضر افتتاح حدث كروي لا يتكرر إلا كل أربع سنوات .
انتهى الحفل سريعا ليمر مشاهدو التلفزة المغربية إلى فاصل غنائي في انتظار خروج منتخبي الكامرون و الأرجنتين من مستودعات الملابس للعب مباراة الإفتتاح .. أغنية ” ييكي ييكي ” الإفريقية التي كانت تخترق أرجاء العالم بإيقاعاتها الجميلة و صوت مبدعها الغيني موري كانتي الذي يحاكي حياة الأدغال بعمق القارة السمراء
.
الأرجنتين حاملة اللقب و الذهب و المجد المنحوت في مونديال المكسيك ، جاءت إلى إيطاليا بكل أبطالها يتقدمهم العظيم دييغو مارادونا .. فباستثناء اعتزال خورخي فالدانو و تعويضه بالجن الأشقر ݣانيجيا ، لم تغير الأرجنتين كثيرا من أعمدة منتخبها .. نفس الحارس بومبيدو و المدافعين روجيري و فابري و لورينزو … و باتيستا و بوروشاگا ، يقودهم ” الأحمق ” كارلوس بيلاردو من خط التماس .
في الطرف الآخر كانت الكامرون .. منتخب إفريقي يلقبونه بالأسود غير المروضة ، لم يكن يعرف عنه العالم سوى مشاركة باهتة في مونديال إسبانيا 82 و فوز بكأس إفريقيا للأمم من قلب ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط سنة 1988 … منتخب إفريقي بلاعبين مغمورين جلهم جاء رأسا من فريقي كانون و تونير ياوندي معززين بمحترفين في أندية متوسطة بالدوري الفرنسي .
كان هناك توماس نكونو و كانا بييك و ماسينگ و العميد طاطاو و كوندي و أبويل و مفيدي و مكاناكي و أومام بييك .. فيما جلس العجوز روجي ميلا بجانب مدربه الروسي فاليري نيبومنياتشي تحسبا للدقائق الحرجة .
انطلقت المباراة مع اعتقاد الجميع أن الأرجنتين ستشرع منذ الدقائق الأولى في إمطار مرمى نكونو بالهدف تلو الآخر .. فألمانيا بقدها و قديدها لم تستطع قبل أربع سنوات من تحصين شباكها من هجومات الطانغو و تلقت ثلاثة أهداف و في نهاية تاريخية … مرت الدقائق سريعا و اكتشف معها العالم كرة قدم مختلفة جاءت بها الكامرون … قوة بدنية هائلة تصل إلى حد العنف ، ممزوجة ببعض فنيات لاعبي وسط الميدان .. مارادونا المسكين في تلك المباراة لم يصدق أن هناك وسائل أخرى في الكرة سيتم استخدامها للحد من خطورته و هو القادم من بطولة ” الكاتناشيو ” و جزاري دفاعات الكالشيو .. لقد رأى بأم عينيه رقم حذاء المدافع الكامروني كانا بييك و هو يتجه إلى عنقه في لقطة ” كاراطية ” انتهت بطرد المعتدي الغاشم .
انتهت الجولة الأولى بالتعادل السلبي صفر لمثله و نقص عددي في صفوف المنتخب الإفريقي و مع اعتقاد الجميع أن الأرجنتين ستستغل ذلك لدحر هذا الخصم العنيد .. لكن مجريات الخمسة و الأربعين دقيقة الثانية صارت على نفس المنوال .. مقاتلو الكامرون ازدادوا إصرارا على غلق المنافذ و الممرات و الأبواب و واصلوا لعبة إرهاب الأرجنتين بالحراسة الثنائية اللصيقة و عدم ترك مساحات للتنفس و بناء العمليات .. حتى جاءت ضربة خطأ لصالح الكامرون في الجهة اليسرى .. نفذها أبويلي بشكل سيء … سينزيني الأرجنتين أراد تشتيت الكرة … رفعها عاليا فوق معترك فريقه .. المدافع روجيري أراد الصعود لإبعادها بالرأس فوجد فوقه المهاجم العملاق أومام بييك و كأنه نازل من السماء ليعاجلها بضربة رأسية تكسرت على ركبة الحارس بومبيدو لتكمل طريقها إلى داخل المرمى وسط ذهول العالم .
الهدف الذي زاد من قوة و صلابة الأفارقة الذين عادوا إلى معتركهم مصرين على ” خربقة ” كل حسابات المونديال الإيطالي .. گانيجيا الأشقر السريع حاول بشكل فردي قبل دقيقتين من صافرة النهاية .. استلم كرة في وسط الميدان … راوغ الكامروني الأول .. راوغ الثاني .. الثالث المتبقي قبل طوماس نكونو كان المدافع المتأخر ماسينگ الذي خرج لگانيجيا طولا و عرضا ف ” نشره ” هو و كرته الخطيرة أرضا حتى طار حذاءه نحو حكم الشرط … ماسينگ حمل ” الگوداس ” و اتجه إلى مستودع الملابس دون أن يرى الورقة الحمراء التي أشهرها الحكم الفرنسي في ظهره .
انتصر منتخب الكامرون المغمور في الإفتتاح على حامل اللقب وسط استغراب المحللين و المراقبين و كسب رفاق أومام بييك شعبية كبيرة و دعما جماهيريا وسط إفريقيا لما تبقى من المباريات التي سيزيدون فيها من جرعات المفاجأة ليصلوا إلى دور الربع في سابقة تاريخية رائعة .
منتخب الأرجنتين سيستفيق من نشوة شعور البطل ليتعامل مع المواجهات المقبلة بحزم أكبر و سيمر إلى الدور الثاني بصعوبة كبيرة أمام الإتحاد السوفياتي .. و كما المدارس العريقة في كرة القدم سيأكل رفاق مارادونا الخصوم و الأدوار ليجدوا أنفسهم في النهاية أمام ماكينة ألمانية بلغت أقصى درجات دورانها و مستعدة للإنتقام من منتخب الطانݣو الذي هزمهم في النهائي المثير بملعب أزتيكا بالمكسيك قبل أربع سنوات من ذلك .
صحفي مغربي مقيم في إسبانيا