عدنان معز –
شكلت مبادئ التضامن والتشارك بين الجماعات هدفا للمشرع المغربي من أجل تحقيق التنمية المحلية المستدامة منذ الصيغ القانونية الاولى للتدبير اللامركزي التي عرفتها بلادنا بعد الاستقلال ، حيث اتخذ التعاون بين الجماعات في البداية شكل النقابة الجماعية، واعتبر سنة 1960 وسيلة لإشراك بعض الجماعات في تدبير بعض المرافق العامة ذات الفائدة المشتركة، وظلت صيغة النقابة الجماعية حاضرة في التنظيم الجماعي لسنة 1976 ،ثم في الميثاق الجماعي لسنة 2002 ،أي قانون 00.78 ،وتم استبدال مفهوم النقابة بمفهوم مجموعة الجماعات،ثم أضفى تعديل الميثاق الجماعي بقانون 08.17 صيغا جديدة بإحداث التعاون والشراكة ومجموعة الجماعات ومجموعات التجمعات الحضرية، هذه الأخيرة التي أبقت عليها القوانين التنظيمية اللاحقة للجماعات الترابية مع تغيير الإسم إلى مؤسسات التعاون بين الجماعات.
فهي حسب المقتضيات القانونية مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الإعتبارية والإستقلال المالي، تحدث بمبادرة من جماعات متصلة ترابيا، بموجب اتفاقيات تصادق عليها المجالس المعنية، تحدد من خلالها تسمية المؤسسة وموضوعها وطبيعة المساهمة ومبلغها ومدتها. كما حدد المشرع مجالات اختصاصها.
فهذا الأسلوب يعتبر الأمثل في الوقت الراهن للتغلب على ضعف مالية الجماعات الترابية الناتج بالأساس عن توزيع غير متكافئ للثروة المحلية والتقسيم الترابي بين مختلف هذه الجماعات، وذلك بالإرتباط مع المعطيات الجغرافية والإقتصادية والطبيعية .
فالتعاون يخلق للمجالس الجماعية متنفسا وسندا لتدبير بعض المرافق وانجاز مشاريعها التي يصعب عليها إنجازها بمفردها لكونها تتطلب أموال وتدبير خاص . فبتعاون الجماعات في إطار مؤسسات التعاون يمكن تجاوز الإكراهات التمويلية والتدبيرية التي تقف حجر عثرة في طريق التنمية الترابية .
فأمام الأزمة المالية الخانقة التي بدأت تعرفها جماعة طنجة منذ حوالي 15 سنة الأخيرة ، والتي كانت نتيجة طبيعية للنمو الديموغرافي المتسارع الذي عرفته المدينة بالتزامن مع هجرة قوية من الأرياف ومن مدن المغرب الاخرى ، وبالتالي ازياد منطقي للطلب على الخدمات الجماعية ، في ظل عدم تطور مداخيل المدينة بالشكل الكافي ، حيث لم تتجاوز المداخيل سنة 2015 مبلغ 53 مليار فيما انتقلت في نهاية المجلس السابق الى حوالي 75 مليار في سنة 2021 ، وهي ميزانية لاتساعد على تأمين الحاجيات الأساسية والاولوية للساكنة حيث نقدر أنه على الاقل يجب تأمين 150 مليار كحد أدنى لضمان التدبير الجيد للمدينة والمساهمة في الاستثمار المحلي ، وهو ما يعني أن جماعة طنجة ستعاني من تراكم ديون لفائدة مجموعة من الشركات المفوض لها تدبير بعض المرافق العمومية الجماعية وهو ما جعل المجلس الجماعي لطنجة المصادقة على المقرر الجماعي لاحداث مؤسسة التعاون بين الجماعات من اجل تدبير مرافق :
– توزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب ، التطهير السائل و محطات معالجة المياه العادمة
– النقل العمومي الحضري
– مطرح النفايات المنزلية والمشابهة لها ومعالجتها وتثمينها
وذلك حسب ما نص عليه القانون التنظيمي 113.14 المادة 133 الباب الثالث ، ” يمكن للجماعات المتجاورة إحداث مؤسسة التعاون بين الجماعات لتدبير المرافق الاساسية ذات النفع المشترك ، وهكذا تداولت سبعة عشر جماعة على إحداث مؤسسة التعاون بين الجماعات – البوغاز من أجل تدبير المرافق العمومية الجماعية وتبلغ المساهمة السنوية الاجبارية للجماعات 3.300.000 .
ويتكون مجلسها من رؤساء مجالس الجماعات المعنية وأعضاء منتدبين من طرفها وفق شكليات محددة من طرف وزارة الداخلية ، وتحل مؤسسة التعاون بين الجماعات – البوغاز محل الجماعات المنخرطة في كل الاتفاقيات المبرمة في تدبيرها للمرافق المشار اليها في العقد ، أي العقود المبرمة مع شركة امانديس ، و ألزا ، والعقود الجديدة لتدبير مرفق النظافة شركة Averda .
فبمقتضى القانون التنظيمي 113.14 في مادته 134، ستقوم مؤسسة التعاون بين الجماعات البوغاز على ممارسة أدوار استراتيجية بين الجماعات المكونة لها. ومن هذه الأدوار أو المهام، تدبير النقل الجماعي وإعداد مخطط التنقلات الجماعية، معالجة النفايات والإشراف على التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة، وتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء كما يمكنها، بناء على مداولات مجالس الجماعات المكونة لها أن تناط بها، جزئيا أو كليا، أنشطة أخرى ذات الفائدة المشتركة، كإحداث التجهيزات والخدمات وتدبيرها .
فأسلوب التعاون بين الجماعات أسلوب بالغ الاهمية من اجل انعاش التنمية التشاركية والتغلب على المشاكل التي تطرحها بعض المشاريع وتدبير بعض المرافق ، وسبق أن أوصى المجلس الأعلى للحسابات في تقريره حول تقييم التدبير المفوض لشهر أكتوبر 2014 ، على ضرورة منح السلطة المفوضة الشخصية المعنوية والاستقلال المالي حتى يتسنى لها بذلك الالتزام بمقتضيات القانون رقم 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض. حيث ينص هذا القانون على أن تكون السلطة المفوضة شخصا معنويا يحكمه القانون العام ، وهو ما يعني إمكانية الاقتراض من أجل تغطية تكاليف الاستثمار ، خصوصا بالنسبة لشركة أمانديس التي من المفروض عليها تأمين المليارات من أجل مسايرة “تطور المجال الترابي للفترة المتبقية من العقد (2021 – 2026 ) حيث تتجاوز هذه الاستثمارات امكانيات و موارد عقد التدبير المفوض في الظرفية الحالية”.
وتقدر احتياجات الاستثمارات لهذه الفترة ما يناهز 1.2 مليار درهم، منها 860 مليون درهم يتحمله حساب المساهمة في الاستثمارات علما أن الموارد المرتقبة لهذا الحساب، في أحسن الأحوال، لن تتجاوز 600 مليون درهم كذلك، كما يرتقب تسجيل نقص كبير في موارد حساب المساهمة في الاستثمارات خلال السنوات القادمة، فضلا عن احتياجات التمويل فيما يخص تجهيز الأحياء الناقصة التجهيز، والتي تقدر بأكثر من 300 مليون درهم .
ومن خلال تحليل مركز ابن بطوطة للدراسات وابحاث التنمية المحلية لمضمون عقد احداث مؤسسة التعاون بين الجماعات “البوغاز ” المصادق عليه في الدورة الاستثنائية لمجلس جماعة طنجة 05.01.2021 وقرار وزير الداخلية رقم 37 بتاريخ 23 أبريل 2021 القاضي بالاعلان عن تكوين مؤسسة التعاون بين الجماعات البوغاز يمكن تسجيل مايلي :
– مؤسسة التعاون بين الجماعات البوغاز والتي من المفترض أن تحدث بمبادرة من الجماعات الترابية حسب المادة 133 ، كانت بتوجيه من سلطات الرقابة ولم تكن موضوع دراسة معمقة ورؤية استراتيجية موحدة بين الفرقاء السياسيين ، حيث لم تشمل المبادرة نقاشات مستفيضة في الدورات السابقة للمجلس ، مما يعني أن المجالس المنتخبة لازالت بعيدة عن ماهو استراتيجي وتخطيط بعيد المدى .
– رغم كون القرار هو استراتيجي بامتياز ، سيفوت تدبير قطاعات كبرى لمؤسسة جديدة ، لم يتم اعمال المقاربة التشاركية مع باقي الفرقاء السياسيين بالمدينة وجمعيات المجتمع المدني المختصة ، حيث سيجد المستشارون والمستشارات الجدد في المجلس الحالي المنتخب غير مدركين للسياق واسباب احداث هاته المؤسسة وادوارها الاستراتيجية ، مما يتطلب اعادة فتح النقاش من جديد من اجل التحسيس والتوعية بأدوار واهداف هاته الألية وطرق اشتغالها .
– مؤسسة التعاون بين الجماعات – البوغاز تضم فقط الجماعات القروية والحضرية الصغيرة جدا والتي ستستفيد من استثمارات مهمة تهم المرافق العمومية الجماعية المذكورة ، فيما ستكون جماعة طنجة المنهكة ماليا الخاسر الأكبر ، وذلك يتفويت جزء من ميزانيتها لتمويل العالم القروي ، مما سيجعل المجلس الجديد أمام مهمة الترافع لتامين مساهمة قيمة للدولة في ميزانية مؤسسة التعاون بين الجماعات البوغاز .
– ضعف النص القاوني المنظم لهاته الألية ” مؤسسة التعاون بين الجماعات ” خصوصا في مايتعلق بقانون الوظيفة الجماعية ، فالموظف الكفؤ لن يجد تحفيزا من اجل بدل الجهد لتأمين مراقبة الشركات الكبرى والتي تتوفر على اسطول من التجهيزات والمتخصصين واغراءات مالية كبيرة جدا .
– اشكالية غلاء الفواتير والخدمات بالنسبة لساكنة العالم القروي التي تعرف الهشاشة والفقر ، فهل ستعمل هاته الشركات التي تربطها عقود بتكييف أسعار الخدمات أم انها ستتحجج بكلفة التجهيزات والاستثمار التي ستقوم به .
هاته الملاحظات والتوصيات التي كانت نتيجة لتحليل العقد و للوثائق المالية لجماعة طنجة وللوضعية الادارية والتنموية ، تتطلب فتح نقاش حقيقي بين أعضاء مؤسسة التعاون بين الجماعات البوغاز الذي يبلغ عددهم 46 عضو 14 عضو منهم ينتمون لجماعة طنجة ، وأيضا فتح نقاش مع الفاعليينو المختصين لايجاد بيئة مناسبة من اجل انجاح هاته التجربة ، ومن اجل من تحقيق الهدف من احداث مؤسسة التعاون بين الجماعات ،الذي يكمن في عقلنة تدبير الموارد المالية والبشرية بالإضافة إلى الرفع من القدرة التنافسية للجماعات. وهو ما لن يتأتى بدون مساهمة مالية مهمة من طرف الدولة لمؤسسة التعاون بين الجماعات البوغاز عوض الإرتكاز على المساهمات المادية للجماعات المكونة لمؤسسة التعاون البوغاز وذلك من اجل تعاون وتضامن من أجل تحقيق التنمية.
Discussion about this post