أرقام الميزانية تجيب
هل الدولة المغربية فاعل اق
تصادي حقيقي أم مجرد جامع للضرائب؟
سؤال يعود بقوة إلى النقاش العمومي مع صدور أرقام المداخيل العادية للميزانية العامة لسنة 2025، والتي تكشف طبيعة الدور الاقتصادي الذي تؤديه الدولة اليوم، وحدود تدخلها في خلق الثروة ودفع النمو.
أرقام تكشف ملامح الدور الاقتصادي للدولة المغربية
بلغ إجمالي المداخيل العادية للميزانية العامة 421,325,037,000 مليار درهم، رقم يعكس حجم الموارد التي تعتمد عليها الرباط لتسيير الشأن العام. غير أن تحليل بنية هذه المداخيل يُظهر أن 376,081,156,000 مليار درهم منها، أي ما يقارب 90 في المائة، تأتي من المداخيل الضريبية.
هذا المعطى الأساسي يضع الدولة المغربية في موقع الفاعل الجبائي أكثر من كونها فاعلًا اقتصاديًا منتجًا، حيث تعتمد أساسا على تمويل الميزانية من ما يدفعه المواطنون والمقاولات.
الضرائب: العمود الفقري للميزانية المغربية
تتوزع المداخيل الضريبية على الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة، والتي قدرت ب 165,690,225,000 مليار درهم.
وضرائب غير المباشرة بلغت 167,889,582,000 مليار درهم.
يبين هذا التقارب عن توازن ظاهري في السياسة الجبائية، لكن الضرائب غير المباشرة، المرتبطة بالاستهلاك، غالبًا ما تُثقل كاهل الفئات المتوسطة والضعيفة، ما يفتح نقاشًا واسعًا حول العدالة الضريبية وتأثير الجباية على القدرة الشرائية للمواطنين.
كما بلغت الرسوم الجمركية نحو 18,180,175,000 مليار درهم، فيما وصلت رسوم التسجيل والطابع إلى 24,321,174,000 مليار درهم. أرقام تعكس في ظاهرها انفتاحًا تجاريًا ونشاطًا إداريًا، لكنها في الواقع محدودة الأثر من حيث خلق القيمة الاقتصادية.

إقرأ أيضا: https://ecopress.ma/?p=93416
المداخيل غير الضريبية: مساهمة خجولة
في مقابل هذا، لم تتجاوز المداخيل غير الضريبية 45,243,881,000 مليار درهم، أي حوالي 10 في المائة فقط من إجمالي المداخيل. أبرز مصادر هذه المداخيل غير الضريبية، مؤسسات الاحتكار والاستغلالات ومساهمات الدولة بما يناهز 27,521,979,000 مليار درهم، وتفويت مساهمات الدولة ب 6,000,000,000 مليار درهم، فيما حصلت عائدات أملاك الدولة 599,500,000 مليون درهم فقط.
وتكشف هذه الأرقام ضعف مردودية المؤسسات العمومية وأملاك الدولة، ما يحدّ من دور الدولة كمنتِج مباشر للثروة.
هل الدولة المغربية فاعل اقتصادي حقيقي؟
اعتمادا على هذه الأرقام، نخلص إلى أن الدولة المغربية لم تعد فاعلًا منتجًا بالمعنى الكلاسيكي، بل تحولت إلى فاعل تنظيمي وجبائي فقط، مما يحصر دائرة مواردها، ويثقل كاهل القدرة الشرائية للمواطنين.
أما في البعد السياسي والاجتماعي للأرقام فمن المفترض أن يعزز هذا النموذج مطالب من المجتمع أولها مبدأ الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإصلاح السياسة الجبائية، فكلما زاد اعتماد الدولة على الضرائب، زادت معها انتظارات المواطنين في تحسين الخدمات العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية. لكن واقع الحال غير ذلك.
تكشف أرقام المداخيل العادية للميزانية العامة أن الدولة المغربية لم تنسحب من الاقتصاد، لكنها غيرت طبيعة تدخلها. مما يستدعي بالضرورة طرح سؤال ملح وهو أي فاعل تريد الدولة المغربية أن تكون؟ هل دولة جبايات أم دولة إنتاج وتنمية؟

















Discussion about this post