إيكو بريس –
نقلا عن موقع لكم –
تحل اليوم 23/02/2024 الذكرى السادسة لاعتقال زوجك الصحفي توفيق بوعشرين الذي حكم عليه بالسجن 15 سنة، كيف تعيشين هذه الذكرى الأليمة؟
في الحقيقة أنا لا أعيش هذه الذكرى السنوية كل 23 فبراير. أنا أعيش هذه المحنة كل يوم وكل ساعة و عند كل سؤال للأطفال: متى يعود بابا؟
أعيش هذه النكبة التي أصابت زوجي وعائلته وأسرته الصغيرة وحلقة صغيرة من أصدقائه و حلقة أكبر من قراء كتاباته بألم و حزن. لكن في نفس الوقت أحييها بأمل في انفراج حقوقي و سياسي يعيد المغيبين وراء القضبان و يفتح فضاء بلدنا لريح طيبة.
لماذا وافقتي الآن التحدث إلى الرأي العام بعد مرور 6 سنوات على اعتقال زوجك؟
أخرجني الألم و طول أمد المحنة. فضلت دائما فصاحة لغة الصمت في تبليغ معاناتي، فقلت اليوم لأجرب لغة القول عل وعسى تجد آذانا لوقف معاناتنا.
بداية، أخبرينا عن حالة توفيق، كيف يعيش غربته في سجن العرجات بسلا؟
يعيش راضيا بقضاء الله وقدره مختبئا داخل كبريائه الذي يمنعه من الشكوى لأحد حتى لعائلته.توفيق من الأشخاص الذين يكابرون كي لا يظهر ضعفهم أو حزنهم رغم أن هذه طبيعة الإنسان التي جبل عليها أي ضعفنا الإنساني.توفيق يعيش مع “خير جليس”، كتبه ومجلاته الكثيرة التي لا يطلب غيرها. شعاره:
“إذا لم تجد الأمل، فاصنعه. فما أصعب العيش بلا أمل ” على حد تعبير محمود درويش.
كیف كانت حیاتك قبل الاعتقال؟ حدثینا عن توفيق بوعشرين، كیف كان یعیش معكم؟
قبل الاعتقال كانت حياتنا عادية، كأي أسرة مغربية تعيش في سلام وأمان. وبالنسبة لتوفيق، فهو إنسان طيب المعشر، بشوش، كريم جدا… صحيح أنه كان منغمسا في عمله بشكل غير طبيعي… لكن كان حريصا على أن يخصص يوم السبت، وهو يوم عطلته الأسبوعية، للعب مع أبنائه، والخروج معهم في فسحة ومساعدتهم في الواجبات المنزلية.
ما هي أهم إھتماماته، وأنشطته؟ وماذا كان دوره في العائلة؟ وعلاقته بكم كأسرة؟
الاهتمام الأول لتوفيق هو العمل؛ فهو إنسان محب جدا لمهنته، وتجده مستمتعا بمزاولة عمله دون كلل أو ملل، يحرص على أدق التفاصيل، إذ أن عنوانا صغيرا لمادة صحفية يمكن أن يشغله أكثر من أي شيء آخر.
بخصوص الأنشطة، فالقراءة هي نشاطه الأول والأخير … كان شغوفا بالقراءة وبرنامجه اليومي لا يخلو من ساعات القراءة كيفما كانت مشاغله. وأتذكر حماسته وفرحته بمعرض الكتاب، وكيف كان يعود محملا بعشرات الكتب والروايات، وأنا أتساءل أين سنضع كل هذه الكتب؟
وفي أيام السبت كان يخصص ساعة من الزمن لممارسة الرياضة، أما يوم الأحد فكان يوم عمل أيضا.
بالنسبة لعلاقته بنا كأسرة، فشهادتي في توفيق مجروحة..أولا كأب، فهو “الجزرة” وأنا “العصا” كما يقال، ألقبه بسفير النوايا الحسنة، نظرا لمرونته وهدوئه في حل المشاكل.كان دائما حاضراً للإجابة عن تساؤلات الأطفال الكثيرة حول كل ما يدور من حولهم، وكان حريصا على اللعب معهم أي لعبة يقترحونها، ويشاركهم مشاهدة الرسوم المتحركة، يستمع لقصصهم ويحكي لهم عن مغامرات طفولته.توفيق كان المدرب الأول لأبنائه، إذ علمهم السباحة، وركوب الدراجة، ولعبة الشطرنج… والكثير من المهارات الأخرى قبل أن يتعلموا ذلك خارج البيت.
وهو طبعا كاتم أسرارهم؛ فهو يتصرف بسرعة فائقة لمساعدتهم في كتابة درس لم يكملوه في الفصل قبل أن أنتبه لذلك، أو إعدادي نفسيا لتلقي شكاية مدرسية من شغب أحدهم، لأن الأبناء أخبروه مسبقا، حتى علاماتهم التي كانت في بعض المواد متوسطة يبررها ويشجعهم ويرفع منسوب ثقتهم بالقول (أنا متأكد أن المرة القادمة ستحصل على علامة أفضل).
كزوج، أشهد أمام الله وأمام الملأ أن توفيق لم يقصر في حقي أبدا، كان وظل خير سند ورجل مواقف وعلاقتنا تسودها المودة والاحترام، وأسأل الله أن يجمعنا في السماء كما جمعنا في الأرض.
كيف عشت لحظة الاعتقال وكیف تلقیت خبره؟
كانت لحظة لا تنسى..اتصلت بي قريبة له لتخبرني بالأمر، وتأكدت من الخبر وأنا أطلع على صفحات الفيسبوك. نظرت إلى أطفالي ( 6 سنوات و10 سنوات) وسألاني في نفس اللحظة، “أكتبي لبابا كي لا يتأخر”. فجأة يتصل توفيق من مقر الفرقة الوطنية، يخبرني أن الموعد الذي كان يحدثني عنه قد حان. مباشرة بعدها صليت ركعتين لأهدأ، وسألت الله الثبات والصبر (اللهم أفرغ علينا صبرا واربط على قلوبنا).
وكيف كان تأثیر الاعتقال علیك؟ وعلى العائلة بشكل عام؟
ما يجب أن يعرفه الجميع، هو أن عائلة المعتقل هي أيضا معتقلة.بالنسبة لي، لن أدعي القوة الخارقة والصلابة الدائمة.قاومت وما أزل أقاوم، بفضل الله عز وجل الذي لم يتخل عنا أبدا، وهذا أعظم وأروع درس في هذه المحنة. إن الله عز وجل معنا دائما. وفي كل مرة أستصعب شيئا ييسره لي سبحانه وتعالى.
العائلة تأثرت كثيرا، وخاصة عائلة توفيق، التي أحييها عاليا على وفائها، ودعمها لابنها ووقوفها إلى جانبه وإلى جانبنا طيلة هذه السنوات رغم كل الصعاب والظروف التي مررنا بها جميعا كأسرة وكعائلة.
كيف كان تأثير حملات التشهير التي تعرضتم لها من بعض “الصحافة” الموجهة والمتحاملة، عليك وعلى أسرتك وأسرة توفيق بوعشرين؟
ما تعرض له توفيق وعائلته من تشهير أظن أنه من أشرس ما تعرض له أي صحفي أو مواطن مغربي.فهل هناك أكثر من أن تبعث الفيديوهات، التي كانت تعرض في المحكمة وفي جلسات سرية، إلى هاتفي وهواتف أفراد عائلتي كاملة وعائلته أيضا؟ وتسريب كشف حسابه البنكي ونشره على موقع “الأحداث المغربية”، أما التشهير بأعراضنا وخاصة أنا فحدث ولا حرج. لا أريد أن أخوض أكثر في ها الموضوع لأنه سبب لي ولأطفالي آلاما لن ننساها.
كیف تحولت حياتكم بعد اعتقاله؟ ما ھي التغیرات التي وقعت داخل الأسرة الصغيرة؟ وكيف أثر ذلك على حياتك أنت بشكل خاص؟
حياتنا أصبحت رمادية وكأن توفيق أخذ الألوان معه.أصبحت الأعياد لازمة حزن بدل أن تكون لحظة فرحة.غياب توفيق خلّف فراغا كبيرا وجٌرحا عميقا في داخلنا، وخاصة لدى أبنائه الذين يكبرون في غيابه.
عن نفسي،أحيانا لا أستوعب كيف تجاوزت ما حصل؛ كيف اجتزت مرور أيام وشهور وسنوات دون أن ينتبه أحد لكل هذا الألم الذي في صدري؟ يمكن أن أقول إنني تغيرت كثيرا لدرجة لم أعد أعرف فيها نفسي، فلا الأفراح باتت تسعدني ولا الأحزان أيضا تبكيني، وكأن شيئا سرقني من نفسي، أو دمارا كبيرا انفجر في صمت وهشم كل شيء جميل بداخلي. لقد صرت غريبة عن نفسي.
ما ھي أصعب اللحظات التي عشتھا منذ الاعتقال؟
أصعب لحظة عشتها منذ الاعتقال هي كيف أخبر ابنتي البالغة من العمر 11 سنة آنذاك بمدة الحكم الابتدائي الأول (12سنة). كان امتحانا عسيرا، ولأول مرة شعرت أن جناحي كٌسر وأنا أرى دموعها تنهمر من عينيها، وتحسب بأصابعها الصغيرتين كم سيكون عمرها عندما سيعود توفيق إلى البيت. وعندما نامت، بكيت بحرقة لن أنساها؛عقلها الصغير لم يستوعب لكن جرح قلبها لا زال مفتوحا.
وحتى الآن مازالت أصعب اللحظات التي نعيشها أسبوعيا، هي تلك التي تأتي عندما ينتهي الوقت المحدد للزيارة الأسبوعية. أذكر عندما كان توفيق في سجن عين برجة، كان عمر إبني الأصغر 6 سنوات ، وفي كل زيارة وعند انتهاء مدتها كان يتمسك بتلابيب والده بشدة ويرفض مغادرة قاعة الزيارة.
لحظة صعبة تنهمر فيها دموع توفيق الذي يعود إلى زنزانته محطما، وأجد نفسي أمام ابني الذي لا يستوعب لحظة ذلك الفراق القسري وهو يبكي بهستيرية لا أعرف كيف أواسيه.
رغم كل هذه الآلام التي تكابدينها في صمت، كيف استطعت التغلب عليها والاستمرار في المقاومة والنضال من أجل استعادة حریة زوجك؟
أحيانا أنا بدوري أسأل نفسي هذا السؤال، فرحمة الله عز وجل واسعة جدا، ولطفه بنا لا حدود له. وكما جاء الابتلاء فجأة سيأتي الفرج فجأة، ووعد الله عظيم “إن بعد العسر يسرا”، هذا الوعد وحده يزيدني كل يوم بل وكل ساعة ولحظة جرعاتٍ صبرا وصمودا واحتسابا.
ھل أحسستم كأسرة بعد الاعتقال بمساندة من طرف الأصدقاء، الجیران، الأقرباء… أم العكس؟
لن أتحدث عمن خذلنا فهم يعرفون أنفسهم. فلا يمكن أن تلوم شخصا على جبنه، أو جحوده، أو ضعف نفسه، بل أفضل أن أتحدث عن الأشخاص الرائعين الذين كانوا أدوية لقلوبنا.أمي أطال الله في عمرها، نبع المحبة والعطاء، حينما كان يداهمني اليأس كنت دائما ألجأ إلى حنان وحب أمي. فهي حينما أضعف تنتشلني بمواساتها ودعواتها الصادقة، ترفع عزيمتي ودائما تنير دربي عندما أوشك على الانطفاء.
شقيقي محمد الذي كان وما يزال خير ظهر وسند، ولن أنسى شهامته ونبله. صديقتي وأختي نجاة التي تحمل معي أثقال الدنيا، أتعافى بوجودها، فرب أخت لم تلدها لي أمي.
عائلة توفيق، كبيرا وصغيرا، خاصة إخوة توفيق الرائعين، هذه المحنة جمعتنا أكثر من أي وقت مضى.
أصدقاء توفيق الحقيقيين، لا أجد عبارات أشكرهم بها لأنهم لم يتخلوا عنا أبدا، وسيأتي اليوم الذي أشكرهم بالاسم لأنهم يٌعَدّون على رؤوس الأصابع.
جيراني الأعزاء، عائلتي الثانية، يعرضون مساعدتهم ومساندتهم لنا دائما وأبدا.
زملائي وزميلاتي في العمل، كانوا وما يزالون يجبرون خاطري ويشدون على يدي.
ولن أنسى قراء توفيق بوعشرين الأوفياء ومحبيه والمتضامنين معه، والذين أعرفهم افتراضيا عبر صفحته، أشكرهم جزيل الشكر وأقول لهم (بفضلكم ظلت افتتاحيات توفيق حية رغم أنكم تعيدون قراءتها مرات ومرات).
كلماتكم وتعاليقكم لا تمر عابرة، بل هي إنصاف يومي لتوفيق بوعشرين، تحية عالية للأحرار خارج المغرب الذين دافعوا وما يزالون يدافعون عن حرية توفيق و لا يٌفَوِّتون فرصة للتذكير بقضيته والدفاع عنه والمطالبة بإطلاق سراحه، فشكرا لكل من كان بَلسَما لنا وسط هذه المحنة.
ماذا علمتك ھذه التجربة الصعبة والأليمة؟
تعلمت أن ما يفسده العالم تٌصلحه سجدة مليئة بالحديث مع الله؛تعلمت أن أصحاب الحق أقوياء، مهما ظن الجميع أنهم ضعفاء؛أدركت قيمة أشياء كنت أستصغرها، وصَغرت في عيني أشياء أخرى كنت أراها عظيمة؛تعلمت أنه لا يهم عدد من حولك بقدر عدد الصادقين منهم، وأن وجود أشخاص تحبهم يرفع قدرتك على تحمل صعوبات الحياة.
ھل مازلت قادرة على انتزاع لحظات فرح رغم كل ھذه الآلام؟سواء مع توفيق “المعتقل” خلال مواعيد الزیارة، أو مع الأسرة، أو مع ورود بعض الأخبار التي تھم المعتقلین الآخرين؟
نعم، مثلا كنا نحتفل بعيد ميلاد بعضنا البعض في قاعة الزيارة دون حلوى ولا هدايا. فقط نردد أغنية عيد الميلاد ونطفئ شموعا افتراضية. ونحتفل بنجاح الأطفال في دراستهم، ونحتفل بانتزاع مكتسب بعد تصويت ديمقراطي، داخل قاعة الزيارة، على مطالب الأطفال، فتوفيق يتابع كل تفاصيل حياة ودراسة وبرنامج أبنائه اليومي من داخل زنزانته، وكل موعد زيارة هو موعد امتحان لهم واستعراض لما أنجزوه وما تعلموه وما اعترض سبيلهم خلال الأسبوع الذي مضى.
كیف تنظرین للمستقبل؟
كنت وما زلت أنظر إلى الواقع بعين الرضا وإلى المستقبل بعين الأمل، والفرج آت مهما بَعُد، فالآتي قريب والبعيد ما ليس بآت.أعمل مع باقي أسر المعتقلين، خاصة الصحفيين، من أجل الحرية للجميع، وكغيري من أسر المعتقلين نقوم بكل جهودنا من أجل إيجاد حل لإطلاق سراحهم بكل الطرق السلمية والحضارية والتوافقية الممكنة.
ما ھي رسالتك أو رسائلك لكل من:
زوجك توفيق:
أقول له: إن كان الجميع يراك فردا فأنا أراك كونا، لكل شدة مدة ولكل ضيق متسع…”واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا”، صدق الله العظيم.
– أسرتك ومحیطك:
شكرا لعائلتي وعائلة توفيق، قناديل لا تفيها القلوب منزلة ولا اللسان ثناء.ولا يفوتني أن أخص أبناء مدينتي الناظور، مدينة العزة والشموخ، بشكر خاص لتضامنهم ودعمهم ورسائلهم التي تصلني دائما.
– عائلات المعتقلین الآخرین:
أشد على أيديهم وأجدد تضامني المطلق معهم، وأسأل الله أن يفرج كربتنا جميعا.
– هيئة الدفاع:
لا يفوتني أن أشكر أعضاء هيئة دفاع توفيق كل واحد باسمه..ممتنة لمجهوداتهم و مؤازرتهم التي لازالت مستمرة رغم انتهاء مراحل التقاضي.
– المنظمات الحقوقیة المغربیة والدولیة:
عظيم الشكر والامتنان أولا لـ “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” على مواكبتها ومؤازرتها لقضية بوعشرين منذ أن بدأت هذه القضية.أشكر أيضا جميع المنظمات الحقوقية التي آزرتنا في محنتنا ولا زالت ( مراسلون بلا حدود، هيومن رايتس ووتش، لجنة حماية الصحفيين، المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، منظمة AFDI .مرصد السجون….). أتمنى أن يواصلوا دعمنا والتعريف بقضية معتقلينا.
– المؤسسات الرسمية التي تتعاملين معها ولها علاقة بوضع زوجك داخل السجن:
من لا يشكر الناس لا يشكر الله. بكل صدق،أشهد أنني لم أضع طلبا أو التماسا أو شكاية لدى مؤسساتنا المحترمة إلا ووجدت تجاوبا وإنصاتا وتتبعا وتفهما. أخص بالذكر رئاسة النيابة العامة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان،مندوبية السجون، إدارة السجن وأطره، وهذه مناسبة لأقول لكل الأشخاص الطيبين والصادقين داخل كل هذه المؤسسات شكرا على مساعداتهم وتعاونكم وتفهمكم .
– الأحزاب والهيئات السیاسیة التي تساندكم وتطالب بالحریة للمعتقلین:
الأحزاب والهيئات السياسية وقادتها الذين يساندوننا في محنتنا، لهم مني كل التقدير والاحترام، وأناشد جميع الأحزاب والأطياف السياسية الأخرى مؤازرتنا، والتقدم بمبادرة لانفراج سياسي شامل. فالمعتقلون أولا وأخيرا أبناء هذا الوطن، وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.
– للصحافة والإعلام:
المشهد الإعلامي أصبح مخيفا وبعيدا كل البعد عن المهنية والموضوعية، وأقول للبعض يمكنكم الاختلاف مع توفيق وهذا حقكم، لكن هل من حقكم التشهير به وبعائلته؟!
ولكن، لن أنسى الشكر والعرفان للصحافة الجادة؛ سواء الوطنية أو الدولية، لما تقدمه لنا من دعم ومساعدة بإثارة موضوع المعتقلين السياسيين.
– لأصحاب القرار الحاكمین في بلادنا:
ليس هناك مستحيل، كما يحاول تصوير ذلك بعض تجار الأزمات والمقتاتين من دم الوطن. تكفي إرادة سياسية تسمو على أي حساب، ما عدا مصلحة الوطن، لتجد كل الأزمات طريقها للانفراج كما حدث في محطات سابقة.نسأل الله عز وجل أن يكون ذلك قريبا.
أصدرت مؤخرا أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية وفعاليات مدنية نداء إلى الدولة المغربية لاستعمال “العفو الملكي” لإفراج عن معتقلي الرأي وحراك الريف من ظلمة الزنازين إلى نور الحرية. هل هذا مؤشر عن قرب نهاية هذا الكابوس؟
أنا شاكرة و ممتنة لكل هذه النداءات التي ما فتئت تتكرر على مدار السنوات الست الماضية منادية بالإفراج عن المعتقلين في التفاتة إنسانية وحقوقية.أظن أن تقاليد الحكم في المغرب عرفت مرارا و في قضايا أعقد مما هو الآن استعمال آلية العفو الملكي الموضوعة تحت رهن إشارة جلالة الملك، ودون قيد أو شرط لعلاج مثل هذه الملفات بما يخدم الصالح العام، وبما يخفف إن لم يكن عن المعتقلين فعلى أبنائهم و عائلاتهم، بغض النظر عن ظروف المحاكمات القضائية و السياقات السياسية التي جرت فيهما. ولنا في سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم الذي قال لمن حاربه وطرده من مكة وقتل أصحابه وأقاربه زمن الفتح : “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
وفي هذا الإطار ، أناشد لمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أتمنى أن يطلع بدور “الميسر”، في ولادة انفراج حقوقي. سيرا على ما أقدم عليه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1994 الذي بادر إلى طلب عفو عام على المعتقلين السياسيين ، وعلى أساس ذلك القرار تأسست تجربة “الإنصاف والمصالحة” التي تركت أثرا طيبا وخلقت انفراجا سياسيا واسعا داخل المغرب وإشعاعا كبيرا للبلد في العالم.
انتخب المغرب مؤخرا على رأس مجلس حقوق الإنسان في جنيف التابع للأمم المتحدة. هل تغدين الأمل بأن ممثل المغرب في الرئاسة سيجد أمامه على مكتب المجلس قرار الفريق ألأممي المكلف بالاعتقال التعسفي الصادر في 2019 والذي اعتبر توفيق بوعشرين معتقلا تعسفيا وأوصى السلطات المغربية بالإفراج عنه فورا وتعويضه وضمان عدم تكرار ما جرى. هل سيجد نفسه مطالبا بتطبيقه؟
جوابي الأول والتلقائي هو أنني أتمنى ذلك. لكن جوابي الثاني هو أني، و بهذه المناسبة المفعمة بالمشاعر ،أترك المقاربة القانونية والحقوقية إلى المتخصصين فيها، و أعول أكثر على المقاربة الإنسانية التي تتعفف عن التنكيل بالطرف الأضعف.
Discussion about this post