كتب الباحث في الشؤون السياسية علي فاضلي تدوينة تفاعلية مع الأحداث الجارية حاليا في المملكة، تحت عنوان الحذر…الحذر المطلوب:
قلت في تدوينة سابقة بأن تغطية العربية لسان الثورة المضادة ولسان المتصصصهينن للاحتجاجات في المغرب بعناوين مثيرة والتركيز على الأمن المغربي، وهي التي تخصصت في مواجهة مطالب الشعوب في الحرية والديمقراطية فأمر مثير للريبة، وهو ما أثار نقاشا مع البعض حول الأمر، بحيث اعتبروه أمرا عاديا، بالرغم من إنه ليس كذلك.
فهل يمكن للعربية في مصر مثلا ان تقوم بتغطية احتجاجات ضد السيسي؟ وهل يمكن لها مثلا في المغرب تغطية احتجاجات ضد حرب اليمن؟ وهل يمكن لها مثلا نقل احتجاجات ضد الإمارات أو السعودية؟ بطبيعة الحال لا يمكنها ذلك بحكم خطها التحريري، وبالتالي لا يمكنها تغطية الاحتجاجات في المغرب إلا بضوء أخضر من مركز القناة.
صحيفة هسبريس الإمارتية تذهب في الاتجاه نفسه وتركز على التعاطي الأمني مع الاحتجاجات وبرسوم مثيرة، وهو ما يطرح اسئة عديدة حول هذه التغطية من إعلام الثورة المضادة لما يجري في المغرب؟
إن المسؤولية تقتضي القول بأن حملات التهييج ضد قوات الأمن المغربية امر غير بريء في شق كبير منه، مع التمييز بين ردة الفعل الطبيعية على التعاطي الأمني مع ما يجري، وبين “الخدمة الموجهة” التي تقوم بها أطراف عديدة.
فما معنى أن يتم الهجوم على أفراد الأمن ووصفهم بأوصاف قدحية وووصفهم “بأولاد الخيريات” وبأنهم “ليسو اولاد الخير والعائلات” كما يفعل المشبوه “جيراندو”؟
فهل أولاد الخيريات والعائلات الفقيرة سبة أو تهمة شائنة؟ فمئات الآلاف من المغاربة لظروف اجتماعية كبروا وعاشوا في الخيريات، وملايين المغاربة يعيشون في أسر فقيرة.
أوليست احتجاجات اليوم الا بسبب الفقر؟ أليس خطاب المشبوه “جيراندو” وأمثاله إلا تعبير عن نظرة دونية للطبقات الفقيرة في المغرب؟ أليس احتقاره لأبناء الخيريات هو احتقار لمئات الآلاف من المغاربة الذين دفعتهم ظروفهم الاجتماعية للعيش في الخيريات؟
وهنا نتسائل عن حادثة اختراق شاشة كأس افريقيا ونشر رسالة مسيئة للأمن، فمن فعل هذا الأمر؟ وكيف امتلك الوسائل التقنية لتحقيق ذلك الاختراق؟ ولماذا سارع البعض للحديث عن اختراق جيل Z لتلك الشاشة؟ فمن وكيف عرف بأن جيل Z هو الذي قام بالاختراق؟
ثم إن من باب المسؤولية القول، بأن طريقة التعاطي الأمني مع الاحتجاجات لم تكن في المستوى، وكانت لها نتائج سلبية، فمفهوم أن عقل الدولة -لأسباب تاريخية- يخشى من الاحتجاجات المجهولة المصدر، فهو يتسامح مع احتجاجات تقودها تيارات راديكالية ضد النظام، لكنه يخشى الاحتجاجات المجهولة المصدر؛ غير أنه لم يكن موفقا في التعاطي مع هذه الاحتجاجات, وهو ما يتطلب فهما للجيل الجديد والاستعانة بخبراء اجتماعيين ونفسانيين ومفكرين في مختلف المجالات لفهم الواقع والجيل الحاليين.
ثم إن الرفض الكبير للتعاطي الأمني مع الاحتجاجات هو مؤشر على تحول نوعي لدى المغاربة في باب الحريات، فلم يعد المغاربة يطبعون مع التجازوات، بحيث باتت ابسط التجاوزات تثير ردة فعل رافضة، وهو مؤشر مهم في مسار التحول الديمقراطي.
ومن باب المسؤولية كذلك القول-وقد لا يستسيغها البعض من ذوي العقل المثالي غير الجدلي- بأن هناك غضبا صهههيونيا وغضبا من محور الثورة المضادة على المغرب، أولا لرفضه مسايرة دول الثورة المضادة في مشروعه الاستئصالي، وثانيا لطريقة تعاطي المغرب مع الاحتجاجات ضد حرب الإبادة في غززززة.
فاحتجاجات المغرب تثير حرجا وغضبا لدى الكيان المجرم لأنه تقطع مشروعه نحو التطبيع مع الشعوب، وتثير غضب محور الثورة المضادة لأن المغرب يقدم نموذجا مختلفا في هذا الباب، ففي حين تقمع المظاهرات في غالبية الدول العربية، يعتبر المغرب أكثر البلدان في العالم تظاهرا ضد حرب الإبادة، وبطبيعة الحال فمحور الثورة المضادة المناهض لحرية الشعوب ومنها التظاهر دعما لفلسسسطين يعتبر المغرب نشازا ونموذجا مقلقا في هذا الباب.
وهنا نشير لقضية غاية في الأهمية، فعندما بدأت الاحتجاجات في المغرب سارع البعض للتحذير من “ركوب” الأحزاب والتنظيمات السياسية على تلك الاحتجاجات.
وأقول بان من يردد مثل هذا الكلام إما أن يكون جاهلا أو مشبوها، لأن من مصلحة الدولة والمجتمع أن تقوم الأحزاب والتنظيمات حتى الراديكالية منها بتأطير الشارع، لأنه في الأخير ستحتاج الدولة لمن تفاوضه وتتحدث معه، وغياب الأحزاب والتنظيمات هو خطر محدق لأنه يجعل الشارع موجها أو مؤطرا من أطراف لا تعرفهم الدولة، وقد تكون جهات اجنبية.
فاليوم مع من ستتحدث الدولة؟ فالمطالب هي مطالب اجتماعية لا يمكن حلها في أسابيع أو شهور، وبالتالي فالدولة في حاجة لمخاطب، وإلا سيستمر الشارع في التحرك بسقوف غير محددة، وبتوجيه من أطراف غير محددة وغير معروفة، خصوصا وأن التأثير الرقمي أصبح له دور كبير في التوجيه.
وعليه فإن من يرفع شعار رفض “ركوب” الأحزاب والتنظيمات على الاحتجاجات إنما يشكل خطرا على الدولة والمجتمع، والمثال هو الحراك الشعبي المستمر منذ سنتين حول حرب الإبادة في غزززة، فالحراك مستمر بشكل شبه يومي ولم تسجل أي احداث عنف، لأنه مؤطر من تنظيمات وأحزاب حتى وإن كانت راديكالية، إلا أنها معروفة، وللدولة وسائلها في التواصل معها.
المثير أن من يهاجم الأحزاب والتنظيمات اليوم ويتهمها بالركوب على الاحتجاجات الجارية هو نفسه من يتهمها بالركوب على القضية الفللللسطنية، بل إنهم في الغالب من تيار كلنا اخرائيل، وهي ملاحظة تستدعي الوقوف عندها مليا، فهدف تيار كلنا اخرائيل هو اضعاف الدولة الوطنية خدمة للمصالح الصصصهيونية، والملاحظة الأخيرة، وهي ان التيار نفسه خو الذي كان غاضبا من تعاطي الأمن مع الاحتجاجات حول غززززة، بحيث كان يطالب بقمعها واعتقال بعض رموزها.
-علي فاضلي-
Discussion about this post