طنجة أنظف مدينة.. حقيقة أم ادعاء؟
في الوقت الذي تتصدر فيه شعارات “طنجة الأجمل” و”طنجة الأنظف” واجهات الخطاب الرسمي.. تطرح أصوات من داخل المدينة تساؤلات مشروعة حول مدى مطابقة هذه الشعارات للواقع اليومي الذي تعيشه ساكنة الأحياء الهامشية والمناطق البعيدة عن واجهات الاستقبال والبروتوكول.
وبين ما يُصرَّح به في المنابر الإعلامية، وما تُسجِّله تقارير المراقبة والمجالس الجهوية.. تظل الحقيقة معلقة بين روايتين: رواية رسمية تتحدث عن نظافة نموذجية، وأخرى ميدانية تنقل صورا مقلقة عن تدبير قطاع يعتبر من أكثر الملفات حساسية وأولوية في حياة المواطن.
وفي هذا السياق، يطرح المستشار الجماعي السابق محمد كرم البريق، من خلال هذا الحوار التحليلي مع جريدة إيكو بريس، جملة من الملاحظات الميدانية والمعطيات الرقمية التي تدعو إلى إعادة النظر في خطاب الإنجاز، وتسائل مدى نجاعة المقاربة المعتمدة في تدبير ملف النظافة بمدينة طنجة. فهل فعلا طنجة هي المدينة الأنظف؟ أم أن الواقع اليومي يحكي شيئا آخر؟ وهل يكفي رضا الزوار الأجانب وشهاداتهم العابرة لتقييم وضع بيئي مركب يعيش تفاصيله سكان المدينة في كل زاوية وحيّ؟
كتب محمد كرم البريق، مستشار جماعي سابق ما يلي:
صرح عمدة طنجة بأن مدينة طنجة من أنظف المدن في المغرب.. بل أكثر من ذلك زعم أنها أنظف حتى من مدن أوروبية كبرى، وهذا كلام نسبي ولا يمكن أن يكون صحيحا على الإطلاق.
فطنجة التي يعرفها السيد العمدة نظيفة جدا، وطنجة التي نعرفها نحن لا تعرف عن النظافة إلا الاسم!؟
وطنجة التي تقدم له في تقارير اللقاءات واجتماعات لجان التتبع أنظف مدينة في المغرب، وطنجة التي نعيش فيها يوميا لا علاقة لها بالنظافة؟!
ثم لو كان الأمر كما يقول السيد العمدة، لما سكت عن التفاخر بذلك ولما توقف من الكلام عن هذا الملف في جميع الاوقات وفي جميع المواقع.
فإذا قمنا بتتبع حديث العمدة عن ملف النظافة في اللقاء الصحفي مع مستشاره الاعلامي والعضو في ديوانه على موقع مدار21، لوجدناه تكلم عن النظافة في وقت لا يتعدى دقيقة ونصف وهو ما يمثل 4% من المدة الزمنية للقاء الصحفي الذي جاوز 37 دقيقة. وهو اللقاء الذي أريد له أن يرد به على تقرير الفيفا الذي خلص إلى أن طنجة بوضعها الحالي غير مؤهلة لاستضافة تضاهرة المونديال.
ولو استمعنا كذلك إلى آخر لقاء صحفي للسيد العمدة مع موقع طنجة 24 عندما تكلم عن ملف نظافة المدينة، والمفروض فيه ان يبسط كل الادلة التي تؤكد تصريحه السابق، فسنجد أن كلامه مع الأسئلة المستفيضة للصحفي المحاور لم يتعدى 5 دقائق وهو ما يصل إلى 10% من المدة المخصصة للبرنامج والتي وصلت إلى 45 دقيقة.
فلو أن السيد العمدة له حصيلة معتبرة في ملف النظافة لخصص لها وقتا أكبر ولتكلم عنها من زوايا متعددة بدل أن ينقل إلينا فقط إشادة الزوار الأجانب بنظافة المدينة. فهل يزور ضيوف العمدة عموم مناطق المدينة المتواجدة في بني مكادة ومغوغة، أم يقتصرون على زيارة قصر البلدية وأرقى الفنادق المتواجدة في شوارع الواجهة والمطلة على كورنيش المدينة!؟
أظن أن الأمر واضح، ولا مجال للمقارنة بين واجهة المدينة والمناطق المهمشة منها.
كما أظن أن الأمر واضح، ما دام أن السيد العمدة نفسه لا يقوم بزيارات إلى مناطق مغوغة وبني مكادة، والتي بالمناسبة لا يعرفها أساسا مادام أنه نسب في حواره مع موقع طنجة24 مكان تواجد سوق الجملة السابق إلى تراب مقاطعة بني مكادة، في حين أنه ينتمي إلى مقاطعة مغوغة!؟
ثم إنه في تناقض غريب ينسب كل جميل لنفسه ولتدبيره، ويلصق كل نقيصة لساكنة المدينة. حيث نجده يبرر الاختلالات الواضحة في ملف النظافة إلى التزايد السكاني في المدينة. كما ينسب التراجع الكبير في نظافة الأحياء إلى سلوك المواطنين، ويتهمهم بأنهم لا يحترمون التوقيت المحدد لإخراج النفايات، وهذا في نظري تهرب من المسؤولية في هذا الملف وتنصل منها مع رميها على الساكنة.
ثم إن السيد العمدة نفسه يعترف بأن هناك اختلالات في عمل الشركتين، وأنه يقوم بتطبيق الجزاءات عليهما، فهل يمكن لعمدة مدينتنا أن يلجأ إلى تنفيذ هذه العقوبات اذا كانت طنجة مدينة نظيفة في الأحياء الراقية كما في الأحياء الشعبية!؟
والأدهى والأمَر أنه يعترف بأن المجهود الذي تقوم به الجماعة يكون واضحا للعيان في مقاطعتي المدينة أو السواني. ولا يظهر في مقاطعة بني مكادة، وهذا دليل على أن النظافة بالنسبة للسيد العمدة هي نظافة الواجهة ليس إلا، وإذا كان البولفار نظيفا فإن هذا يعطيه الحق ليقول بأن المدينة كلها نظيفة بل انظف من باقي المدن الكبرى في المغرب وفي أوروبا !؟
ثم إنه بإطلالة بسيطة على تقارير المجلس الجهوي للحسابات نجدها تحكم أن نظافة المدينة بعيدة جدا من المستوى المطلوب، وأنها تعاني من عدة اختلالات جوهرية ونقائص كبرى، وتسجل أن مدينة طنجة بعيدة كل البعد عن الجودة المطلوبة في مرفق النظافة، وأن مستوى الخدمات لا يعكس الاعتمادات المالية المهمة المرصودة لقطاع النظافة.
وهذا ما دفع الجماعة إلى تنظيم لقاء دراسي يتيم في يناير 2025، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من عمر المجلس الحالي، مع تهريبه وتنظيمه بشكل مغلق دون اشراك لفعاليات المجتمع المدني، فبالأحرى إشراك عموم الساكنة بالمدينة!
والغريب أن هذا اللقاء الدراسي المغلق المقتصر أساسا على مسؤولي الجماعة وموظفيها خرج بعدة توصيات في اعتراف صريح لفشل المجلس الحالي في قطاع النظافة، ما دامت هذه التوصيات تطالب ب :
– صياغة ميثاق النظافة مع المواطن حول تدبير النفايات في كل حي لإشراكهم في التدبير الفعلي.
– صياغة ميثاق النظافة مع أرباب المقاهي والمطاعم ومنتجي الخرفان.
– صياغة ميثاق النظافة مع المناطق الصناعية.
– تكثيف زرع حاويات القمامات داخل جميع التجمعات البشرية.
– تخصيص حاويات للردمة في الأحياء السكنية ليسهل على الشركة عملية نقلها للأماكن المخصصة لها.
– التعاقد مع شركات من اجل تثمين الردمة وإعادة تدويرها.
– المراقبة المعلوماتية لقطاع النظافة في المدينة.
وهذه التوصيات تدل دلالة قاطعة على الاختلالات والنقائص في هذا الملف الحيوي، رغم أنه يكلف الجماعة أكثر من ثلث ميزانيتها بمبلغ مالي ضخم وربما هو الأضخم بين جميع المدن في المغرب.
وأخيرا، مادام أن السيد العمدة اعترف على أنه يوقع شهريا الغرامات على شركات التدبير المفوض للنظافة، فيجب أن يقول لنا هل وقع غرامات على كل الاختلالات التي رصدها لقاءه الدراسي؟
وعلى الأقل أن يجيبنا هل طبق عقوبات على الشركتين في موضوع المستودعات الوسيطة التي لم تر النور بعد ؟!
وماذا ينتظر ليقوم بتنزيل المستودع الوسيط الموجود بالرهراه؟ وهل غرم شركة النظافة التي تستغل قطعة ارضية كمستودع وسيط عشوائي في منطقة المرس بمقاطعة بني مكادة؟ وذلك في تحدي صارخ لحقوق الساكنة المجاورة في البيئة السليمة وإجبارها على العيش مع الروائح الكريهة في كل ليلة!
ومادام أن اللقاء الدراسي يوصي الشركتين بتخصيص حاويات لجمع الردمة، فليحدثنا السيد العمدة أين ترمى عمليا هذه الردمة؟ أليس في جنبات الأودية؟ أليس في الغابات المجاورة للمدينة؟ وما هي النتائج الوخيمة لهذا الرمي العشوائي للردمة على بيئة المدينة التي يدعي أنها أنظف مدينة؟ وأين وصل موضوع إنشاء وتجهيز المركز الخاص بجمع الردمة وتثمينها المتواجد بمشلاوة!
وأخيرا، مع أن الحديث يطول في الموضوع ، أين هي الحاويات الذكية؟ وأين عربات الكنس اليدوي المجهزة بنظام gps؟ وأين هي الحاويات المخصصة لجمع النفايات الخضراء؟ وأين النظام المعلومياتي الخاص بالتتبع والمراقبة لعمل الشركتين؟ أم أن إنجاز كل هذا غير مهم ومتروك لمزاج الشركتين اللتين قد تقومان بذلك في العام الأخير من عمرهما؟
وختاما، أليس من حقنا كمدبرين سابقين للمدينة أن نفتخر بنظافة المدينة حقيقة لا مجازا، رغم كل الاكراهات التي كانت تعيق تطبيق الغرامات على الشركتين أنذاك في دفتر التحملات السابق، والتي عمل المجلس السابق على تجاوزها في دفتر التحملات الحالي، وكذلك ضعف الميزانية المخصصة لهذا القطاع والتي لم تكن تصل إلى نصف الميزانية المخصصة حاليا؟!
نعم، مدينة طنجة حازت لقب أنظف مدينة لسنوات خلت، سواء في شوارع الواجهة أو أزقة الهوامش، ونريد من السيد العمدة فقط أن يحافظ على هذا اللقب، ويقوم بمزيد من المجهود في تحسين النظافة وتجويد الخدمات بالمدينة، ما دام أن هذا القطاع خصص له اكبر الاعتمادات المالية، وأن يقوم بتطوير مراقبة عمل الشركتين وتغريمهما ما دام ان دفاتر التحملات تساعده على ذلك.
وللحديث بقية، فيما هو أكبر وأخطر، فمركز الطمر والتثمين بسكدلة الذي كان أكبر مكتسب في الولاية السابقة مع إغلاق مطرح مغوغة الذي عمر 40 سنة.. أصبح هو الآخر مطرحا عشوائيا عاديا دون أي طمر أو تثمين! ومركز معالجة الليكسيفيا ما زال حبرا على ورق! أم أن مركز بوقنادل هو البديل؟
Discussion about this post