صحفي مغربي يوبّخ فيصل العرايشي بسبب ضعف الإعلام العمومي وحصيلة عقود من التدبير
أثار تصريح أدلى به فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، جدلًا صامتًا أكثر مما أثار نقاشًا عموميًا واسعًا، رغم خطورته الرمزية ودلالته السياسية، خاصة في سياق النقاش المتواصل حول ضعف الإعلام العمومي المغربي. وجاء التصريح خلال المنتدى الدولي حول الرياضة المنعقد بمجلس النواب، حين قال: “لا وجود لرياضة قوية دون إعلام قوي”، وهي عبارة اعتبرها الصحفي مصطفى الفن “نادرة” و“غريبة”، ليس بسبب مضمونها في حد ذاته، بل بسبب هوية قائلها ومسؤوليته المباشرة عن واقع الإعلام العمومي بالمغرب.
فبالنسبة للفن، الإشكال لا يكمن في صحة الفكرة، بل في المفارقة الصارخة بين الخطاب والواقع؛ إذ كيف لمسؤول قضى أكثر من ربع قرن على رأس الإعلام العمومي أن يتحدث عن غياب إعلام قوي، دون أن يثير ذلك مساءلة حول حصيلته وتدبيره؟
ربع قرن في الواجهة… والحصيلة ضعف الإعلام العمومي المغربي
يرى مصطفى الفن أن العرايشي لم يعد مجرد مسؤول عمومي، بل أصبح اسمه ملتصقًا بالإعلام الرسمي أكثر من ارتباط هذا الأخير بخدماته العمومية المفترضة. ربع قرن تقريبًا من الحضور في مواقع القرار، دون تداول حقيقي على المسؤولية، جعلت الإعلام العمومي يعيش حالة من الجمود، بل من التراجع، في وقت كانت فيه البلاد في أمسّ الحاجة إلى إعلام وطني قوي ومؤثر.
ويطرح الفن تساؤلًا لاذعًا: هل نسيت الدولة فيصل العرايشي في هذا المنصب؟ أم أن الأمر يعكس أزمة أعمق في ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل القطاعات الاستراتيجية؟
هيمنة التفاهة وغياب القاطرة العمومية
من أخطر ما يرصده الفن في تدوينة نشرها على حسابه بموقع فايسبوك، أن النتيجة المباشرة لهذا “الخلود الوظيفي” كانت اكتساح التفاهة للشاشة العمومية، وتحول التلفزيون من أداة للتثقيف وبناء الوعي الجماعي، إلى فضاء يعج بمحتويات سطحية، تمس الذوق العام، وتسيء للقيم المشتركة للمغاربة.
كما ينتقد الفن ما يسميه “تغوّل” شركات إنتاج بعينها، أصبحت تتحكم في خريطة البرامج، دون رؤية ثقافية أو إعلامية واضحة، ما حول المال العام إلى إنفاق بلا أثر، وبرامج “لا أحد يشاهدها”.
صمت مريب في القضايا الوطنية
لا يقف النقد عند حدود المحتوى، بل يتجاوزه إلى الوظيفة السيادية للإعلام العمومي. فحين تتعرض صورة المغرب أو رموزه للتشهير الخارجي، يلاحظ الصحفي صمتًا مطبقًا من القنوات العمومية، وكأنها غير معنية بالدفاع عن سمعة الوطن.
ويشدد الفن على أن الدفاع عن الأوطان لا يتم فقط عبر الجيوش والدبلوماسية، بل يحتاج أيضًا إلى إعلام عمومي قوي، مهني، وفاعل، قادر على الترافع الرمزي والسردي عن قضايا البلاد.
إعلام قوي… يبدأ من المحاسبة
تصل التدوينة إلى خلاصة قاسية: لا يمكن الحديث عن إعلام قوي دون مساءلة حقيقية للمسؤولين عنه. فوجود مسؤولين بهذا المسار الطويل وبهذه الحصيلة المحدودة، لم يعد مجرد إشكال تدبيري، بل تحول إلى عبء على الدولة نفسها.
إن تصريح العرايشي، بدل أن يكون دعوة للإصلاح، انقلب – في قراءة مصطفى الفن – إلى إدانة غير مباشرة لسنوات من التدبير، كرّست ضعف الإعلام العمومي المغربي، حيث غاب الإعلام القوي، وحضرت الرداءة، وضاعت فرصة أن يكون الإعلام العمومي قاطرة حقيقية للإصلاح.
















Discussion about this post