المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية.. محطة صمود وتجديد رغم التحديات
بقلم مصطفي بن عبدالغفور
عضو المجلس الوطني بالصفة ونائب الكاتب الوطني للفضاء المغربي للمهنيين
بدءا يمكننا القول لقد انتهت محطة المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية، لكن تأثيره الواسع والعميق في المشهد السياسي لن ينتهي وسيظل يشكل قفزة نوعية على المدى البعيد.
كل المواقف والتحليلات التي صدرت عن أقلام وعن مؤثرين وعن متابعين باءت بالخيبة الكبيرة، ذلك لأن هؤلاء الذين راهنوا، منذ البداية، على فشل المؤتمر، صدموا كثيرا حين اكتشفوا حجم قوة الحزب ومدى فاعليته وشدة حرصه على الخروج من المؤتمر برؤوس مرفوعة في عنان السماء. ولقد أكد حزب العدالة والتنمية، كالعهد به دوما، أنه حزب كبير ومؤثر وفاعل ولا يمكن أن يستسلم للتراجع عن مكتسباته الكبيرة.
لقد أحيط المؤتمر بمختلف الشروط الخارجية التي أوحت بأنه لن يحقق النجاح المأمول، لكن مناضلي ومناضلات الحزب كان لهم رأي آخر هو إنجاح هذه المحطة للجم الأفواه التي راهنت على الفشل.
إن النية الصادقة، والجدية في العمل، والتضحية الكبيرة، والقيادة الجيدة والمتمكنة، آلت إلى تحقيق الرهانات الكبرى المعقودة، تلك التي لا يمكن القبض عليها إلا من طرف الكبار من طينة ومستوى عبد الإله بنكيران.
لقد شكل المؤتمر التاسع للحزب (وهذا ما شكل وعي كل المؤتمرين) محطة فاصلة في مسار وحياة الحزب، محطة إما أن تنهي بشكل قاطع مجمل الآثار والمخلفات النفسية والتخطيط السياسي الذي سعى إليه مخططو الثامن من شتنبر، وإما أن ينتهي بشكل تام ويندثر من الساحة السياسية.
كل عوامل الفناء كانت واقفة ومتربصة:
– العزلة السياسية القاسية.
– الندرة المالية، حيث تم غلق كل الأبواب للدعم والتمويل الرسمي.
– الحصار السياسي الخانق لكل أنشطة الحزب.
وغيرها من الموانع حيث كل منسحب أو مبتعد عن أنشطة الحزب خلق لنفسه مبررا ما واقتنع به…
في ظل كل هذه المتاريس الصعبة رفع المؤتمرون وعيهم عاليا، وفهموا المخطط جيدا، ولم يترددوا أبدا في إنجاح مؤتمرهم والتأكيد على أن حزب العدالة والتنمية يستحيل النيل منه. وهكذا وجد من يعتبرون أنفسهم استراتيجيين وعباقرة السياسة أنفسهم أمام مؤتمر اكتملت فيه كل شروط الديمقراطية والحوار والتشارك.
– البث المباشر لأطوار المؤتمر ليتابع الكل ما يجري دون أي تستر على أي شيء.
– إبراز حجم الديمقراطية السائدة داخل الحزب القوي والمعافى من كل الجراح.
– حجم الحضور الذي فاق كل التوقعات. حيث شارك في الجلسة الافتتاحية أكثر من 5 آلاف مشارك، و1700 مؤتمر ومؤتمرة.
– لأول مرة في تاريخ المؤتمرات كلها، اكتمل نصاب المؤتمر المطلوب قبل توقيت المؤتمر بساعتين، وهذا لم يتوفر من قبل بالمطلق.
– برزت طينة المناضلين في الحزب إزاء الضائقة المالية التي يعيشها الحزب، التي اكتملت بمنع الدعم المخصص للأحزاب لعقد مؤتمراتها (130 مليون سنتيم كمستحق)، حيث قوبل النداء الذي بثه أمين عام الحزب قبل 24 ساعة من افتتاح المؤتمر، وحث فيه المناضلون على المساهمة المالية لتغطية مصاريف المؤتمر (تعدت 350 مليون سنتيم)، باستجابة سريعة واستثنائية من طرف الجميع، ما اعتبر مؤشرا على قوة الحزب وقوة مناضليه نساء ورجالا ومن كل المستويات. في حين
نرى أحزابا أخرى تؤدي مصاريف تنقل مناضليها وتجد صعوبات جمة في حثهم على المشاركة.
لقد أوضح المؤتمر التاسع أن حزبنا العتيد يتوفر على مناضلين حقيقيين لهم روح المبادرة والتضحية من أجل حزبهم. إن القاعدة تتأثر بالقيادة، إذا كانت قيادتنا، بعد عشر سنوات من تحمل المسؤولية التي خلفت آثارا إيجابية في نفوس المغاربة، أكدت العفة ونظافة اليد ونزاهة الضمير، فإن القاعدة لبت نداء القائد وكانت في موعدها مع التاريخ.
النجاح الكبير الذي حققه الحزب في محطته التاريخية المشهودة، والذي اعترف به حتى الخصوم، كان ردا حقيقيا وواقعيا وعلى رؤوس الأشهاد على كل المناورات التي حيكت ضده وراهنت على فشله والقضاء عليه.
المؤتمر أفرز أمينا عاما وقيادة جديدة لأربع سنوات قادمة (2025/ 2029)، نتوقع لها نجاحا في عملها كي نواصل المسار بجدية وتقدم إلى الأمام، خاصة وأن المرحلة الحالية تقتضي الكثير من الحرص من أجل تأكيد الذات وكسب الرهانات المقبلة.
باعتباري مناضلا من داخل الحزب، سأسمح لنفسي من باب انتمائي للحزب وغيرتي عليه، ومن باب محبتي الخالصة للأمين العام الأخ عبد الإله بنكيران، أن أبدي بعض الملاحظات بوصفي مشاركا في المؤتمر التاسع.
أولا: يجب الاعتراف بأن أصحاب المراتب والشواهد خذلوا الأمين العام والقاعدة ساندته واختارته بقوة وقناعة. من هنا وجب مراجعة أمر اختيار بعض أصحاب الصفوف الأمامية (ممن خذلوه)، مع أهمية القيام بالتفاتة حقيقية وتقرب مطلوب نحو القاعدة المساندة، وذلك لتدارك الأمر في الإلحاقات المتبقية، مع مراعاة التمثيلية المجالية العادلة.
ثانيا: عدم مراعاة تمثيلية الهيئات الموازية، الفضاء المغربي للمهنيين نموذجا، حيث لم يتم إشراكه في اللجنة التحضيرية ولا زال يتم استبعاده من التمثيلية داخل الأمانة العامة، علما أن الجانب الاقتصادي، الذي يمثله الفضاء المغربي، هو عنصر حيوي وكبير ومؤثر في أية سياسة، وهذا الاستبعاد غير المبرر يطرح تساؤلا حقيقيا حول معايير الاختيار والاقتراح، ونحن مقتنعون جدا بأن الأمين العام لو أتيحت له الفرصة لمعرفة كفاءات الحزب خارج مفعول الدائرة المحيطة، لاختار الأفضل بكل تأكيد.
وهنا وجب التأكيد أن التنظيمات القوية في الظروف العادية تختار الأفضل، وفي الظروف الاستثنائية تختار الأصلح.
وما يجب توكيده أن الأحزاب الكبرى تتفاعل أكثر مع العنصر الاقتصادي فيها، وتشركه في كل هيئاتها نظرا لأهميته الكبرى.
واليوم وبعد مرور أكثر من 30 سنة من التجربة والممارسة والنضال والمنجزات المحققة على أرض الواقع، ألم تشفع للفضاء المغربي للمهنيين لكي يكون صاحب صوت داخل دائرة صانعي القرار في الحزب، وتدفع عنه هذا الإقصاء الممارس ….!!!!؟؟
وهنا أسجل ملاحظة تخص الفضاء المغربي، مفادها أننا تنطبق علينا مقولة: أننا أصحاب قضية عادلة ومحامي فاشل، حيث نشكل رصيدا تمثيليا وانتخابيا مقدرا في صفوف الحزب، ولكن ضعف خطابنا وترافعنا جعلنا لا نتجاوز بعد عقبات إقناع الصف الداخلي للمهنيين وبالأحرى مناضلي ومناضلات قيادة الحزب، لذا نحن، تبعا لذلك، نحتاج أيضا إلى مراجعات عميقة لخطابنا ومواقفنا وطرق اشتغالنا.
ثالثا: المزاجية التي تتحكم في ذهنية البعض منا وتكشف التناقض في اختياراتنا، إذ نجد، مثلا، أن نتائج الاختيارات التي أفرزها التصويت على أعضاء المجلس الوطني تبرز تناقضا غريبا حيت رأينا المطالبين والملحين على تجديد رأس الحزب والمصممين على رحيل الأمين العام، حين منحت لهم فرصة اختيار أعضاء المجلس الوطني، الذي يعتبر برلمان الحزب وثاني هيئة تقريرية بعد الأمانة العامة، حبسوا مطلب التجديد على أقلامهم واختيارهم وظلوا رهينة الماضي، دون أدنى إحساس بالتناقض الصارخ، في حين أنهم لما أتوا إلى الأمين العام ألحوا على ضرورة التغيير.. وهذا في تقديري ارتباك واضح (حتى لا أقول فاضح) ويمنح الانطباع بأن هؤلاء ليس لديهم قناعة حقيقية في التغيير بقدر ما هو سلوك يشخصن الأمور !!
وهذا كشفته عملية التصويت على رئيس المجلس الوطني، الذين كانوا معنيين بالتصويت عليه هم أعضاء المجلس الوطني المنتخب وأعضاء المجلس الوطني بالصفة وقد أكدت الاختيار أن جزءا كبيرا ممن تم انتخابهم وتجديد اختيارهم كانوا غائبين إما لعذر شرعي، أو لموقف ذاتي، وبالتالي كشفت النتيجة أن من تم انتخابهم هم في أغلبيتهم من الجيل الأول والقديم الذي تربع على مقاعد المجلس الوطني لولايات متعددة، مما يجعل مطلب تجديد النخب غير قابل للصرف في الواقع.
هناك تعديل في القانون الأساسي الذي صادق عليه المؤتمر الوطني من أجل تفادي أعطاب السرعة وعدم إعطاء الفرصة للتبرير والاختيار الجيد. وهذا التعديل يعطي فرصة للأمين العام المنتخب 15 يوما من أجل إجراء التشاور والترجيح في اختيار الأسماء المعروضة، وهو ما لم يتم العمل به، وبمجرد الإعلان عن فوز الأمين العام تم انتخاب الأمانة العامة ورئيس المجلس الوطني وباقي التشكيلة مباشرة.
وهذا يوضح بجلاء أن العملية تمت تحت ضغط الإرهاق الذي أصاب الجميع، وهذا الإرهاق الطبيعي لا يمكن أن يجعل القيادة في لحظة نفسية تسمح باختيار هادىء ووفق معايير تراعي الظرفية والسياق والتحديات المنتظرة، لأن لكل سياق رجالاته، خصوصا أن عملية التداول الداخلي، والمناوشات الخارجية، كشفت أن رأس الأمين العام كان مستهدفا.. وبالتالي لا يمكن لمن طالبوا بالإزاحة أن يساهموا في البقاء، ومن وظف قلمه ولسانه وتفكيره واستعمل المعاول في الهدم.. لا يمكن قطعا أن يكون مساهما في البناء… !!!
وأعود بعد هذه الملاحظات التي أراها تلامس صميم حزبنا وتعبر عن انتماء كبير له وغيرة قوية عليه، لأقول من جديد:
لقد كسبنا الرهان، ونجحنا في التحدي، وكان المؤتمر التاسع محطة حقيقية ومصيرية خرج منها حزبنا العتيد العدالة والتنمية مرفوع الهامة.
Discussion about this post