القطار الفائق السرعة القنيطرة-مراكش.. رافعة استراتيجية للتحول الاقتصادي واللوجستي بالمغرب
في خطوة جديدة لترسيخ موقعه كقطب للنقل المستدام على الصعيد الإفريقي، أطلق المغرب، تحت إشراف جلالة الملك محمد السادس، مشروعا طموحا يتمثل في إنجاز خط القطار فائق السرعة (LGV) يربط بين القنيطرة ومراكش. ويمتد على طول يناهز 430 كيلومترا.
ويتجاوز هذا المشروع، الذي يُعد امتدادا للخط الأول “البراق”، مجرد كونه ورشا للنقل. ليشكل ركيزة استراتيجية لتحولات اقتصادية ولوجستية هيكلية تطال مختلف جهات المملكة.
القطار الفائق السرعة القنيطرة-مراكش.. أثر اقتصادي متعدد الأبعاد
ويُعد المشروع استثمارا ضخما بقيمة 53 مليار درهم (دون احتساب المعدات المتنقلة). ويأتي ضمن برنامج شامل تصل تكلفته الإجمالية إلى 96 مليار درهم.
وبهذا الحجم المالي والاستراتيجي، يبرز المشروع كرافعة محورية لتحفيز النمو الاقتصادي. ومن شأنه خلق فرص الشغل وتعزيز النسيج الصناعي الوطني.
ومن المنتظر أن يخلق المشروع آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. إلى جانب نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعات.
ويتمثل توطين الصناعات هذا عبر إنشاء وحدة صناعية محلية لتصنيع القطارات. وذلك بشراكات دولية مع شركات رائدة كـ “ألستوم” و”كاف” و”هيونداي روتيم”.
وبهذا، لا يكتفي المغرب بالاستيراد، بل يؤسس لمنظومة صناعية سككية بقدرة إدماج محلي تفوق 40 بالمائة. وهو ما يعزز السيادة الصناعية للبلاد.
استثمارات جديدة وتنمية للمناطق المجاورة
ويتوقع أن يسهم تطوير هذا الخط في جذب استثمارات جديدة. وخصوصا في قطاعات السياحة والصناعة والخدمات. وذلك نظرا لربطه بين أقطاب اقتصادية وسياحية رئيسية، من بينها طنجة والرباط والدار البيضاء ومراكش.
كما أن تحسين الربط بين المدن الكبرى سيساهم في تنمية المناطق المجاورة وتحفيز نموها العمراني والاقتصادي.
تحول لوجستي واستراتيجية متعددة الوسائط
ويرتقي الخط الجديد إلى مرتبة ركيزة لوجستية وطنية. فهو يعزز الترابط بين المراكز الاقتصادية، ويقرب الزمن الجغرافي. وذلك مع تقليص مدة السفر بين طنجة ومراكش إلى ساعتين و40 دقيقة فقط.
ويرتبط الخط أيضا بمطاري الرباط والدار البيضاء. وهو ما يمنح للمغرب بنية نقل متعددة الوسائط تربط السكك الحديدية بالمجالين الجوي والحضري بسلاسة عالية.
وإضافة إلى ذلك، سيفك المشروع الضغط عن الشبكة التقليدية. وهو ما سيتيح تطوير خدمات قطارات القرب داخل المدن الكبرى. وذلك في استجابة مباشرة لمتطلبات النقل الحضري المتزايد. وخاصة بالدار البيضاء والرباط ومراكش.
استدامة وابتكار بيئي عبر القطار الفائق السرعة القنيطرة-مراكش
وفي ظل التحديات البيئية الراهنة، يقدم القطار فائق السرعة نفسه كخيار منخفض الكربون وصديق للبيئة. وذلك بفضل اعتماده على الطاقة النظيفة وتخفيضه لعدد السيارات والشاحنات على الطرقات.
ويأتي المشروع في انسجام تام مع التوجهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز حلول التنقل المستدام وتقليص البصمة البيئية للنقل. وذلك بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للمملكة في أفق 2030.
أثر اجتماعي ومجالي
ولا تقتصر الانعكاسات على الأرقام والمؤشرات، بل تتجسد أيضا في تحسين جودة الحياة للمواطنين. فسكان المدن الكبرى سيستفيدون من وسائل نقل أكثر حداثة وانتظاما. وسيتاح لساكنة المناطق البعيدة الانفتاح على فرص عمل وتعليم وخدمات كانت محصورة جغرافيا.
ويسهم المشروع كذلك في تقليص التفاوتات المجالية. وذلك من خلال تعزيز الربط بين الشمال والجنوب وتيسير الحركية المجالية.
آفاق استراتيجية 2030: سكك حديدية تنافسية على الصعيد القاري
ومع تمديد شبكة القطار فائق السرعة نحو مراكش وتطوير منظومة صناعية متكاملة، بات المغرب يتموقع كمركز سككي متقدم في القارة الإفريقية.
فالبلاد لا تراهن فقط على نقل المسافرين، بل تعمل على بناء بنية تحتية مستقبلية تجعل منها بوابة استراتيجية بين إفريقيا وأوروبا، ومرتكزا إقليميا للربط السككي المستدام.
وعموما، فإن مشروع “LGV” القنيطرة – مراكش ليس مجرد خط حديدي، بل رؤية شاملة لاقتصاد متجدد، ولوجستيك ذكي، ومجتمع منفتح على المستقبل. وذلك تحت قيادة ملكية تسعى دوما لجعل المغرب رائدا في ميادين التنمية المندمجة والمستدامة.
ذات صلة:
القطار فائق السرعة مراكش-القنيطرة.. شركة مغربية تفوز بالصفقة الثامنة والأخيرة
جلالة الملك يُعطي انطلاقة أشغال إنجاز الخط السككي فائق السرعة LGV الرابط بين القنيطرة ومراكش
Discussion about this post