العنف ضد النساء والفتيات بالمغرب..موضوع ندوة دولية انعقدت بطنجة
في إطار الحملة الوطنية الثانية والعشرين لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات، احتضن المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة يوم الأربعاء 4 ديسمبر 2024، ندوة وطنية تحت شعار: “العنف ضد النساء والفتيات: التحديات، الديناميكيات واستراتيجيات التدخل”.
وقد شهدت الندوة الوطنية تقديم ثلاث مداخلات عميقة ومتكاملة من قبل نخبة من الأساتذة وسط نقاش جاد من قبل الطلبة والحاضرين، إذ تناولوا مختلف أبعاد العنف ضد النساء والفتيات من زوايا قانونية، وتكنولوجية، واقتصادية، مما أضفى زخماً فكرياً على النقاش.
واستهلت الأستاذة عائشة أشهبار مداخلتها بتسليط الضوء على الأطر القانونية لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات في المغرب. وركزت بشكل خاص على القانون 103-13، الذي يُعد الإطار القانوني الأساسي لمحاربة العنف ضد النساء.
كما أشارت الأستاذة إلى أن هذا القانون يُعرّف العنف بشكل شامل ليشمل العنف الجسدي، والنفسي، والاقتصادي، والجنسي، مع تعزيز آليات الحماية القانونية للضحايا.
وناقشت تطبيق قانون الاتجار بالبشر، موضحة العلاقة الوثيقة بين هذا النوع من الجرائم والعنف ضد النساء، ذلك أنه يستغل النساء والفتيات بشكل خاص في شبكات الاتجار.
ونبهت إلى أن مكافحة هذه الجرائم تتطلب ليس فقط تحسين التشريعات، بل أيضاً تدريب العاملين في مجال العدالة الاجتماعية وإنفاذ القانون.
ودعت الأستاذة في ختام مداخلتها إلى ضرورة تعزيز الوعي القانوني لدى النساء، خاصة الفئات الهشة، لضمان معرفتهن بحقوقهن وطرق حمايتهن.
وانتقل النقاش مع الأستاذ يوسف مزوز إلى بعد جديد للعنف، وهو العنف الإلكتروني، الذي أصبح يشكل تهديداً متزايداً في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
واستعرض الأستاذ كيف يمكن للفضاء الرقمي أن يتحول إلى ساحة عنف، خاصة مع استغلال منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية لنشر الإساءات، والتهديدات، والابتزاز ضد النساء والفتيات.
وتطرق الأستاذ مزوز إلى التحديات التي فرضها الذكاء الاصطناعي، مثل استخدام تقنيات التزييف العميق (Deepfake) في الإساءة للنساء، بما يخلق نوعًا جديدًا من العنف يصعب السيطرة عليه بالطرق التقليدية.
وقدم الأستاذ حلولًا عملية للوقاية من العنف الإلكتروني، منها تعزيز التوعية الرقمية، وتطوير قوانين صارمة لمواجهة الجرائم الإلكترونية، وتشجيع النساء على استخدام الأدوات التقنية لحماية أنفسهن، قيل أن ينادي بإشراك الشباب في حملات التوعية الرقمية لنشر ثقافة المسؤولية في استخدام التكنولوجيا.
أما الأستاذة بديعة صفي الدين، فقد ركزت في مداخلتها على العنف الاقتصادي، وهو أحد أشكال العنف التي لا يحظى بالكثير من النقاش رغم تأثيره العميق على حياة النساء.
وتطرقت الأستاذة إلى كيفية استخدام الحرمان من الموارد الاقتصادية أو التحكم فيها كوسيلة لتقييد حرية النساء وإضعاف استقلاليتهن.
وبيّنت الأستاذة أن العنف الاقتصادي يتجلى في أشكال متعددة، مثل منع النساء من العمل، والسيطرة على دخل الأسرة، أو حرمانهن من الوصول إلى التعليم والتكوين المهني، مبرزة أن هذا النوع من العنف يؤدي إلى تبعية اقتصادية تجعل النساء أكثر عرضة لأنواع أخرى من العنف.
وطالبت الأستاذة في ختام مداخلتها إلى تعزيز سياسات التمكين الاقتصادي للنساء من خلال دعم المبادرات النسائية، وتوفير فرص التدريب والعمل، وضمان المساواة في الأجور، مشددة على أن التمكين الاقتصادي ليس مجرد حق للنساء، بل هو ضرورة لتنمية المجتمع ككل.
وبعد انتهاء الجلسة النقاشية، نظّم طلبة المعهد ورشة فنية تحت عنوان “ألوان ضد العنف: رسم مستقبل خالٍ من الخوف”، إذ استعمل المشاركون الفرشاة والألوان للتعبير عن رؤيتهم لمجتمع خالٍ من العنف.
وقد عكست الأعمال الفنية رسائل أمل وقوة ورغبة في التغيير، قبل أن يعرضوا اللوحات في معرض فوري شهد تفاعلا إيجابيا من الحاضرين، الذين أشادوا بإبداع الطلبة وقدرتهم على تحويل قضايا اجتماعية حساسة إلى أعمال فنية تحمل رسائل قوية.
واختُتمت الندوة بإطلاق 22 بالوناً برتقالياً، رمزاً للحملة الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات، وتأكيد مدير المعهد في كلمته الختامية أهمية استمرار هذه المبادرات لتوعية الشباب وتعزيز أدوارهم كفاعلين اجتماعيين في مواجهة هذه الظاهرة.
وقد خلصت هذه الندوة إلى أن العنف ضد النساء والفتيات قضية تحتاج جهودا متكاملة تجمع بين التوعية، والتشريع، والإبداع لتعزيز مجتمع أكثر عدلاً وأماناً.
Discussion about this post