أسواق القرب بطنجة.. مشروع تنموي أم تجربة فاشلة؟
لا تزال تداعيات السياسات التدبيرية التي طُبقت في عهد الوالي الأسبق لجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، محمد اليعقوبي، والي جهة الرباط سلا القنيطرة حاليا، تلقي بظلالها على واقع أسواق القرب بمدينة طنجة.
أسواق القرب بطنجة.. مشروع تنموي أم تجربة فاشلة؟
ويتفجر هذا الملف بعد مرور عقد من الزمن على انطلاق مشاريع كبرى وُصفت حينها بالطموحة. ولكنها تحولت لاحقا إلى رموز لـ”فشل” إدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي المنظم.

ورغم مرور سنوات على إطلاق مشاريع “أسواق القرب” في مدينة طنجة، لا تزال هذه المبادرات تثير نقاشا واسعا بين الفاعلين المدنيين والخبراء. وذلك وسط تساؤلات حول جدواها الاقتصادية.. وكذا أسباب تعثرها، وغياب أثرها الحقيقي على واقع التجارة المحلية ومحاربة القطاع غير المهيكل.
ففي الوقت الذي راهنت فيه السلطات المحلية على مجموعة من أسواق القرب كحل لإيواء آلاف التجار غير النظاميين.. تعاني اليوم العديد من هذه المشاريع من عزوف واضح وغياب التفعيل. وذلك بالرغم من صرف ميزانيات ضخمة من المال العام لإنشائها.
ويبرز في هذا السياق كل من أسواق امغوغة، طنجة البالية، السانية، سوق لالة شافية.. التي لا تزال أبوابها مغلقة أو شبه مهجورة. إضافة إلى أسواق فشلت فعليا في استقطاب التجار، كـسوق بير شيفا، وسوق حومة الحداد، وغيرها من النماذج التي تحوّلت إلى عبء إداري ومالي بدل أن تكون حلا اجتماعيا واقتصاديا.
فشل التجربة ومحدودية الأثر التنموي
وفي هذا السياق؛ يؤكد عدنان المعز، رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات وأبحاث التنمية المحلية، أن إشكالية أسواق القرب ترتبط أساسا بالمقاربة التي تم اعتمادها عند التأسيس.
وأوضح المعز، في تصريح لـ”إيكو بريس”، أن هذه المقاربة “كانت في مرحلة ما مقاربة اجتماعية محضة. وهو ما أثر عليها وجعلها لا تكون ذات قيمة على المستوى الاقتصادي”.
وأضاف أن “المحلات تم توزيعها لأناس لا يفهمون التجارة ولا يتقنونها، ولا يريدون البقاء فيها.. بل يرون فقط سومة كراء المحلات التي سيأخذونها أو يبيعونها”. وأشار إلى أن “عددا من المحلات تبقى مغلقة أو أن البضاعة التي تُعرض تكون رديئة”.
وأبرز المعز أيضا أن هذه المقاربة غير المتكاملة انعكست على عدم التنسيق بين مختلف المتدخلين. ولفت إلى أن “توزيع هذه الأسواق والمحلات يُوكل للسلطات المحلية، في حين أن القانون يخول ذلك للجماعات الترابية”. وهو ما يجعل السياسات العمومية تفتقر إلى التقائية فعلية.
إشكالات التدبير وتعدد المسؤوليات
وفي ما يخص تدبير هذه الأسواق، أشار المعز إلى أن “هناك إشكالات حتى في مستوى التدبير، فمن يدبر هذه الأسواق؟”. وأوضح أن “الماء والكهرباء تدفعه الجماعة، بينما التوزيع والإشراف تقوم به السلطات المحلية، أما التدبير الواقعي فتقوم به بعض الروابط أو الجمعيات”، وهو ما وصفه بـ”التدبير العشوائي”.
وأكد المعز أن هذه الاختلالات “تجعل جهود التنمية المستدامة على المستوى المحلي تتعرض للانكسار”. مضيفا أن “المؤشرات التي تدل على الانتقال من القطاع غير المهيكل نحو القطاع المهيكل لا تُلاحظ بشكل كبير”.
غياب الرؤية الاستراتيجية وواقع الارتجال
ومن جهته، يرى يوسف المنصوري، الباحث القانوني والناشط المدني، أن سياسات إدماج القطاع غير المهيكل من خلال أسواق القرب “ظلت تعاني من غياب الرؤية الاستراتيجية المتكاملة”.
وأشار المنصوري، في تصريح لـ”إيكو بريس”، إلى أن “الكثير من المبادرات اتسمت بطابع موسمي أو كانت ردود فعل ظرفية. وذلك دون دراسة معمقة لطبيعة القطاع وتركيبته الاجتماعية والاقتصادية”.
وأضاف المنصوري أن “الوصف المتداول بالارتجالية يبدو توصيفا دقيقا بالمقارنة مع ما كان يجب أن تكون عليه أسواق القرب كما تم التخطيط لها”.
الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية للفشل
وأما على مستوى النتائج، فقد أكد المنصوري أن الفشل في إدماج القطاع غير المهيكل “يؤدي إلى استمرار التهميش الاجتماعي والاقتصادي لفئات واسعة من المجتمع. ويعطل دينامية التنمية المحلية”.
كما أن هذا الفشل، حسب المنصوري، “يُفوت فرصا مهمة لتوسيع الوعاء الجبائي، وتحقيق نوع من العدالة المجالية والاقتصادية”.
ولم يُغفل الباحث القانوني جانب التوتر الحضري، مشيرا إلى أن “التداخل بين الأنشطة المنظمة وغير المنظمة يخلق اختلالات في تدبير الفضاء العام. إلى جانب تعدد المسؤولين عن القطاع، في ظل غياب سلطة حقيقية للمنتخب في تدبير شؤون الأسواق”.
وختم المنصوري تصريحه بتوصيف شامل للواقع الحالي، معتبرا أن “القطاع غير المهيكل ليس فقط تحديا اقتصاديا.. بل هو أيضا مرآة لفشل السياسات في احتضان الاقتصاد الحقيقي الذي ينبض في الشارع ويعبر عن حاجات اجتماعية واقعية”.
دعوة لإعادة النظر في النموذج المعتمد
في ختام التصريحات، دعا عدنان المعز إلى تبني مقاربة جديدة تقوم على “الالتقائية بين جميع الفاعلين، وبناء منظومة تدبير ذات بعد حكماتي”. وذلك مع ضرورة “إسناد هذه المحلات للتجار مع مواكبتهم، وتقوية قدراتهم، وتأطير انتقالهم من القطاع غير المهيكل إلى المهيكل”. وأكد أن “تحقيق الجودة وتنوع السلع يستلزم مقاربة تنموية أكثر منها اجتماعية”.
Discussion about this post