يوسف سعود يقدم حلولا تجنب المغرب صدمة ما بعد تنظيم مونديال 2030
كلما قرأت منشورات يوسف سعود لمست فيها مخاوف عديدة من وقوع المغرب في صدمة ما بعد تنظيم المونديال، تحققا ببعض التجارب السابقة، وفي طليعتها التجربتان الجنوب الإفريقية، والبرازيلية.
ويحلل يوسف سعود الطريقة التي يدبر بها المغرب مرافقه الرياضية تأهبا لاستضافة المونديال، في ضوء تجربته ضمن لجنة الاستدامة بالاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، منبها إلى أن المسؤولين على ملف تنظيم المونديال يخططون خارج فكرة الاستدامة.
وهكذا يشدد على ضرورة إعادة تعريف العلاقة بالملاعب، حتى تتجاوز الصورة النمطية المتمثلة في منشآت رياضية إلى فضاءات اقتصادية، وسياحية، وترفيهية مستدامة، عارضا جملة من الأفكار الملحة والراهنة.
الملاعب بنايات تخلق الثروة
ينفي يوسف سعود أن تكون أفكاره في هذا المجال ترفا نظريا، بل هي أدوات تبتغي تقليل الضغط عن المالية العمومية، ونقل المنشآت الرياضية من بنايات إلى قاطرات تخلق الثروة وفرص الشغل، وتقيم جسرا يربط الرياضة بالسياحة والثقافة.
ويبين سعود أن المغرب اليوم في حاجة ملحة إلى مشروع استثماري اجتماعي مستدام، أكثر منها إلى تشييد ملاعب تراعي مواصفات الفيفا.
ويكشف عن قناعته بأن النجاعة الاقتصادية والاستدامة المالية لم تعدا خيارين فحسب، بل ضرورتين حتميتين لكل مشروع رياضي بالمغرب؛ ذلك أن الملاعب في نظره ليست مجرد منشآت، وإنما هي أصول استراتيجية لا بد أن تنتج قيمة مستمرة، وتساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع ضمان استدامة الموارد والابتكار في التمويل.
الملاعب فضاءات اقتصادية وترفيهية
يجدد يوسف سعود اقتراحاته التي قدمها منذ سنوات، بأن تضطلع الكيانات الاقتصادية المغربية النشيطة في إفريقيا، ضمن قطاعات B2C تحديدا، بمهمة تمويل عمليات تأهيل الملاعب وتطويرها، عبر شراء حقوق التسمية (Naming Rights)
ويعزو هذا التوجه إلى امتلاك هذه الكيانات حضورًا قاريًا واسعًا، مستدلا بشركات اتصالات المغرب، وبنك أوف أفريكا، والتجاري وفا بنك، وغيرها، ولافتا النظر إلى أن تسويق علاماتها من خلال ملاعب تحمل أسماءها هو استثمار رمزي وواقعي في قلوب ملايين المتابعين داخل القارة.
وَيُمَكِّنُ هذا المنطق، حسب رأيه، من تحويل الجهد العمومي نحو الاستثمار في البنيات التحتية الأساسية، كالنقل، والربط السككي، والفندقة، والسلامة، واللوجستيك…
ثم يوضح أنه تطرق سنة 2018 إلى تحويل الملاعب الكبرى في المغرب مجمعات ترفيهية وسياحية مستدامة، استنادا إلى بناء 80 إلى 100 غرفة فندقية داخل الملعب، وإنشاء مطاعم، وإقامة متاحف رياضية، وفضاءات تجارية وتجريبية.
ويبرز أن المغاربة ينفقون مليارات الدراهم سنويًا في الخارج على هذا النوع من التجارب، وهو ما يستدعي جعل الملاعب المغربية جزءا من العرض الرسمي في كل مدينة.
ويضرب المثل بملعب مدينة فاس الذي ينهل من روح المدينة العريقة، ويشرح كيف يمكن أن يصير قبلة ضمن وجهة تاريخية، اعتمادا على دعمه بغرف فندقية ومرافق خدماتية، والأمر نفسه ينطبق على ملاعب طنجة ومراكش وأكادير.
الدولة بين التمويل والتنظيم
يحذر يوسف سعود من مخاطر النموذج المعتمد في تشييد الملاعب بالمغرب حاليا، قياسا إلى إشراف الدولة على التمويل والبناء، والتدبير، بما يهدد فكرة الاستدامة ويضربها في الصميم.
كما يطالب بالانتقال من الدولة الممولة إلى الدولة المنظمة، على أساس وَضْعِهَا الإطارَ، وإشراعِهَا البابَ أمام الاستثمار الخاص، اقتداء بتجارب بريطانيا، وفرنسا، والسعودية في الآونة الأخيرة.
وعلى الرغم من أن المسألة وثيقة الصلة بقوة الاقتصاد، وقدرته على خلق الثروة والفرص، يجزم سعود بأن هناك مساحة وفراغات بيضاء، يمكن ملؤها، متحججا بمبادرة رواندا إلى اتخاذ ملعب كيغالي مركزا للمؤتمرات والترفيه على مدار السنة.
وكذلك يذهب إلى ضرورة تشجيع الأندية الكبرى على الانتقال بسرعة إلى شركات استثمارية رياضية تستطيع بناء ملاعبها الخاصة، أو على الأقل الدخول في شراكات لتطويرها، إلى جانب استثمار قاعدتها الجماهيرية لتحويل الملاعب أصولا مالية مربحة، وتقديم ضمانات بنكية للحصول على تمويلات مستقلة.
المونديال والطلب الخارجي
لا يشك يوسف سعود في تحريك مونديال 2030، عجلة قطاعات كثيرة في المغرب، كالسياحة، والنقل، والفندقة، والترفيه، والترويج الدولي، واكتساب بنيات تحتية، غير أن تساؤلاته تنصب حول مدى قدرة المواطن على الاستفادة من الخدمات المحدثة، جراء تنظيم هذا الحدث الرياضي البارز.
ويستنتج أن المونديال سيفرز عرضا خدماتيا راقيا ومعزولا، يستهدف الطلب الخارجي فقط، ويستبعد الطلب الداخلي، مستشهدا بضعف الدخل الفردي للمواطن المغربي، ومحدودية قدرته الشرائية، واصفا الوضع بالمشكلة الكبيرة.
ويقول سعود: “يحيلنا هذا الوضع إلى “اقتصاد الواجهة (showcase economy)، الذي يعني خدمات بجودة محترمة للأجنبي، في انفصال عن السياق المحلي الذي يشهد قصور المواطن المغربي على الاستفادة منها، متأثرا بانخفاض الدخل الذي يصده عن تحقيق فائض يصرفه في الترفيه والاستمتاع. وهنا نصل إلى تنمية مفصولة عن المجتمع”.
ثم يقدم شرحا مبسطا: “الدخل الفردي في المغرب لا يتعدى 4 آلاف دولار، ويمثل قطاع الخدمات، المرتكز على السياحة، %50 من الناتج الإجمالي. وهذا المشكل مشترك بين دول القارة الإفريقية، لأن اقتصاداتها لم تَرْقَ بعد إلى مرتبة توليد الثورة.
ثم يتوقف عند قاعدة عامة تربط تحسن مستوى خلق الثروة والدخل الفردي، بتوسع الطلب على الخدمات، مبينا أن أي طبقة اجتماعية تُقْبِلُ على طلب خدمات جديدة بعد تحقيقها ضروريات الحياة، كالمسكن والمأكل، والنقل، والتطبيب، وهكذا يتخطى الاقتصاد إنتاج الحاجيات الأساسية إلى إنتاج جودة العيش.
وهنا يكمن الفارق، وفق يوسف سعود، بين جودة العيش في البلدان المتقدمة ونظيراتها في الدول النامية، ويبرز معه مصطلح الطلب المحلي الفعال، بوصفه المحرك الأساس لتطوير قطاع الخدمات بشكل مستدام.
Discussion about this post